المرونة النفسيَّة.. ضرورة أم ترف؟

منصة 2023/11/22
...

 سريعة سليم حديد

المشكلات والمصاعب والضغوط النفسيَّة، التي يتعرَّض لها الإنسان بشكل شبه يومي  تجعله في حالة توتر وقلق دوما ما يدفعه للتساؤل: "لماذا فلان من الناس يتقبَّل المشكلات بأريحية أكثر مني، وما الذي يجعله مرتاح البال هادئ الأعصاب، وكيف أكون أنا هكذا؟ . هنا من بوابة مرض فقدان المرونة النفسيَّة آثرنا الدخول إلى بعض تفاصيلها لمعرفة أعراض السلبية، وكذلك نلفت النظر إلى أساليب تطوير الذات التي تدفع الفرد ليكون أكثر إيجابية، وبالتالي يتمكّن من تجاوز أزماته، غاية في اكتساب المرونة النفسيَّة.

والمرونة النفسيَّة هي قدرة الشخص على التعافي، واستعادة توازنه بعد التعرض للمحن والصعاب، وتجاوزها بطرق إيجابية، غاية في استمرار الحياة بشكل طبيعي.

وهناك عوامل تؤثر في الشخص فتجعله غير مرن نفسياً، ومنها: قد لا يتلقى الطفل العناية المطلوبة من والديه، فيصبح لديه خلل وظيفي إدراكي أو سلوكي أو عاطفي.

كما يلعب الفقر دوراً كبيراً في إضعاف نمو الشخصية إثر الضغوط التي يتلقاها الشخص.

كذلك هناك الإهمال والخلل الوظيفي الأسري كالاضطرابات النفسيَّة عند الوالدين، والممارسات السلبية التي يتعرض إليها الشخص، سواء في البيت أو المدرسة أو الشارع.. كل ذلك يؤدي إلى الانهيار النفسي، وبالتالي فقدان المرونة النفسيَّة.

المرونة النفسيَّة، عادة، ما تختلف من شخص إلى آخر، وهذا يعود إلى عناصر جينية موروثة، وكذلك على نوعية البيئة التي يعيش فيها الفرد، فهي بدورها تؤثِّر فيه بحسب طبيعتها ومناخها.

كما أن من يمتلك الصحة النفسيَّة يكون لديه قدرة كبيرة على تحمل الصدمات والتعامل معها بحكمة وهدوء، غاية في الخروج منها بشكل سليم قياساً بمن هو  أكثر عرضة للإصابة النفسيَّة، فهو لا يمتلك المرونة النفسيَّة، ويلقي بلومه على الآخرين في عدم تحمُّل الصدمات، لعدم قدرته على تجاوز الأزمات وتطوير نفسه.

ويشعر الفرد الذي يصاب بالانهيار النفسي بأنه غير سعيد، فيبدو حزينا باستمرار، وغير قادر على تجاوز ذلك الشعور، فضلا عنما يرافقه من قلق متوتر، وعدم قدرته على النوم، ويكون سريع الانفعال، ويتناول طعامه بشكل سريع أيضاً، حتى أنه يبالغ في تصرفاته حيال الموضوعات البسيطة المطروحة، مما يؤدي الأمر إلى ظهور العديد من الأمراض الجلدية التي منشؤها نفسي كالإصابات الجلدية، و"الأكزما" والثعلبة والصدف.. وقد تظهر بعض الأمراض الهضمية في المعدة، والقولون العصبي، كذلك تظهر بعض أمراض القلب والأعصاب، ويرافق المريض شعوراً بأن الحياة تافهة، لا قيمة لها، فلا يشعر بالمتعة أو بلذة أي شيء كان يمتعه من قبل. 

من الضروري هنا، احترام الذات وتقدير الأمور بشكل صائب، فمن هو الذي يستحق حبك؟

وفي الوقت ذاته، هل أنت تستحق حب الآخرين؟

فأنت نفسك من يمكنه الإجابة بشكل دقيق، لأنه من الممكن أن توفر هذه الإجابات الراحة نتيجة المصداقية التي وفرتها لنفسك.

قد تجد من يساعدك على الشفاء والتعامل مع ظروف الحياة الصعبة. 

فالإدارة وتنظيم المثيرات من حيث درجة الاستجابة، كذلك إدارة المشاعر المؤلمة القوية، أضف إلى ذلك. 

زيادة السعادة، والازدهار فهما ذروة الأداء والتكيف والتعامل، وأيضاً التحضير العاطفي للأوقات الصعبة.

كذلك تعلّم التفاؤل والأمل فهما مهمان جدَّاً، يمكن أن يجعلا تحمل اللحظة الحالية أقل شدة، إذا كنت تعتقد أن الغد سيكون أفضل، فيمكنك اليوم أن تتحمل المصاعب. 

كذلك، للرعاية الصحية دور كبير: فالصحة هي أساس السعادة. وأيضا الرضا والتقبل. فإذا وجدتُ أنني غير راض على نمط حياتي، فسوف أحاول جاهداً بناء أساليب وعلاقات جديدة تمكنني من تغيير حياتي والتوجه نحو الأفضل والأجمل.

إن للابتسام والتفاؤل والمرح دوراً كبيراً في نقل الشخص من حالة القلق والتوتر إلى مرحلة الراحة النفسيَّة، الامر الذي يجعله قادراً على تحمّل الألم والتخلص منه، من دون أن يترك في نفسه أي أثر سلبي.

إن اكتشاف الذات واليقظة الذهنية والتعود على ضبط النفس عند الغضب وممارسة التأمل الواعي، يجعل الفرد أكثر مرونة، كما أن للروحانية دوراً مهماً للشعور بالسلام الداخلي في الحياة اليومية، وخاصة في الأوقات العصيبة. الإيمان بالله هو بوصلة، فهو يؤثر على الخيارات التي نتخذها. بهذه الطريقة تؤثر الروحانية في كيفية تفاعلنا مع التوتر ومدى تعافينا من الصدمة.

يمكن للفرد المصاب بالانهيار النفسي أن يعالج نفسه من خلال القيام ببعض الممارسات اليومية في المنزل كالقيام بالصلاة مثلاً، أو ممارسة الرياضة، وكذلك الاستماع إلى الموسيقى، والاهتمام بالنباتات أو الحيوانات الأليفة.. كل هذا من شأنه أن يعزز الطاقة الإيجابية عند المريض، ويحسّن حالته النفسيَّة، وينقله من التوتر إلى الهدوء والسكينة.

ولكن في حال تأزَّم مرض انعدام المرونة النفسيَّة، عندها يحتاج المريض إلى زيارة الطبيب المختص، وهذا يحتاج إلى مراحل عدة في العلاج حتى يصل إلى النتيجة الجيدة، علماً أن هذا النوع من المرض يختلف في شدته من شخص إلى آخر، كما تختلف فيه طرق العلاج، فهناك حالات تحتاج إلى استخدام العلاجات الدوائية كمضادات الاكتئاب والقلق، وهذه العلاجات آمنة 

لا تترك أعراضا جانبية، ولا تصيب المريض بحالة الإدمان عليها، ومنها ما هو بحاجة إلى علاجات نفسية 

بلا أدوية، وهذا التقييم يحدده الطبيب المختص.

كما أن لممارسة الهوايات، جانباً مهماً لا يمكن إغفاله، فهي تزيد من الطاقة الإيجابية، وتبعد الشخص المضطرب نفسياً عن التفكير في المشكلات، وتجدد النشاط لديه، وهنا تكمن القدرة العالية على الاستبدال بالعادات السلبية بأخرى أكثر إيجابية.

ومحاولة استعادة مرحلة التكامل النفسي من خلال العودة إلى الاتزان، فمن المفيد التنازل عن بعض الرغبات، حتى يتمكّن الشخص من التعامل مع الأحداث الضاغطة.

لذا، فمن المستحسن أن يثق الشخص بنفسه، وأن يؤمن بأن حياته لن تكون بالمستوى الجيد أو المثالي، وأنه لا بد له من أن يتعرَّض للمشاكل والصعوبات، مثل باقي الناس، والاهتمام بالصحة الجسدية من حيث الغذاء والرياضة والاسترخاء.. مما يجعل قدرة الشخص على مواجهة الصعاب أكثر فاعلية وقوة عما كان عليه سابقاً، وكذلك الابتعاد عن العزلة، والحرص على التواصل مع الناس المقربين له والمحببين إليه، فهم يمدونه بالطاقة الإيجابية التي تحسّن من رؤيته حيال الصعوبات.

من هنا، نخلص إلى ضرورة التدرّب على المرونة النفسيَّة، حتى نصل إلى علاقات آمنة مع أنفسنا أولاً ومع الآخرين ثانياً، ويتم هذا وفق اتباع بعض التوجيهات التي من شأنها أن تحسن مزاجنا، وتجعلنا أكثر تقبلاً لتحمل الصعوبات التي تواجهنا يومياً، حتى لا نصل إلى مرحلة فقدان المرونة النفسيَّة.

وكما يقال: الضربة التي تضربني ولا تقتلني، أستمدُّ منها القوة.