ماركس الذي مات وحيداً

منصة 2023/11/27
...

  طالب كاظم

باستثناء كارل ماركس، الذي عانى صراعاً عنيفاً لم يختبره أي مفكر سيسيولوجيا آخر من قبل، هو، ببساطة شديدة، أعلن براءته من الشريعة الموسوية، كما تخلص بملء إرادته من براثن التلمود البابلي، إلا أنه لسبب ما سيظل غامضا لزمن طويل، اعتنق الكاثوليكية،  حدث هذا الأمر الفيزيقي قبل أن يتسلق النازيون، حائط مبنى الرايخشتاغ بنصف قرن.
ليس بالضرورة تذكيركم أن رفاق الفوهرهر الفاشيون لم يكونوا السبب في استبدال شريعته التلمودية بدين آخر، لم يكن مصطلح عداء السامية متداولا بعد، والذي سيعرف لاحقا كذريعة يتمسك بها رواد الأباحية والكيبوتزات، ماركس، بذقنه التي استرسلت على صدره، بسترته الخاوية، أو المفكر الذي انشغل بتدمير اللاهوت، الذي قدّس الملكية الخاصة من غير حق، اللاهوت الذي لا يبالي بالفوارق الطبقية بين أثرياء ينفقون ببذخ كبير للتمتع بالملذات بأموال فائض القيمة، أو إنفاق ثمن بخس لقاء متع تقدمها نساء تروج أشلاء باردة بسبب الفاقة الذي افرزته دمامل رأس المال.
رحل المفكر، الذي لم يجد الوقت لتشذيب ذقنه الكثة، التي استرسلت على صدره، الجرمانيون الآن، يتفاخرون بعرقهم الآري وبمحركات التورباين التي زودت بها شاحنات الخدمة الشاقة التي اطلقها بنز وشركاؤه، يحتفلون بعيد ميلاده كمفكر انقذ الشغيلة، بكتابه الذي يشبه دليل استعمال تزود به شركة سانيو  منتجاتها المنزلية، اضغط زر START وأتركها تقوم بالعمل الذي يجهدك.
رأس المال، كتابه الذي أرشد الشغيلة إلى مفترقات أدت إلى عشرة أيام هزت العالم، كما أخبرنا عنها جاك لندن في كتابه العريق، ولمن لا يعرف جاك لندن، هو صاحب رواية "العقب الحديدية"، الطوباوية وفقا للمفهوم التاريخي الماركسي عندما يتحدص عن الحتمية التاريخية، هناك واحدة من رواياته، قدمتها هوليوود التي يديرها صناع الأكاذيب العملاقة في فيلم بالعنوان نفسه: "الناب الابيض"! بعد التحول المريع الذي قاد جاك لندن من صحفي يساري لامع إلى متسكع في حانات ألاسكا يرافق رواد البحث عن الذهب في زلاجات تجرها كلاب الكانجال، الفيلم الذي شاهدته في سينما غرناطة العريقة، حدث ذلك قبل أن تبتلعها موجات ملابس الموتى التي ترسل الى العراق ببالات معفرة بكيمياويات ضد العثة، باستثناء كارل ماركس، الخصم اللدود، الذي قاتل بضراوة فكرية منقطعة النظير، طروحات اليمين الالماني، الذي يدير الاقتصاد الالماني براس مال يهودي، وعد الشغيلة سلعة يمكن المضاربة عليها وفق مبدأ العرض والطلب، لم يعترض الآخرون على طروحات آدم سمث، نبي الرأسمالية المقدس، حول قدسية رأس المال والملكية الخاصة في تحول المجتمعات من رعوية إلى غابة يكون فيها البقاء للأقوى.
مات كارل ماركس، الذي تلقى في ساعة مماته، لعنات كبير حاخامات أورشليم، الذي عدّه ابنا عاقًا للشريعة الموسوية السمحاء وكل الشرائع السماوية، التي لم نتثبت من صحتها بالأدلة الموضوعية، تلعنه، لأنها عدّته مارقًا حينما أزال ورقة التوت، التي تتستر بها وكشف عورتها التي بدت كهوة سحقية، معتمة ولزجة.. كارل ماركس مات وحيدا، بعد أن تلقى صدمات مفجعة، موت ابنته وابنه بعمر مبكر، كأن أمر موتهم له علاقة بغضب الرب، كعقاب وهو الأمر الذي لا أجد له تفسيراً منطقيا، طالما هناك العديد من الأشياء التي تستحق غضبة أكثر مما فعل مع ماركس المعدم.. هل لأنه أرشد الآخرين إلى المشاعية، آخر مراحل الشيوعية، التي تحدث عنها رفيقه الثري فردريك انجلز في كتابه الملكية الخاصة، ولكن:
لا أحد يفرط بممتلكاته، لأنه يعتقد بحتمية المشاعية، من يصدق هذا الهراء العقيم: كل ما لي هو لك؟!
الأكاذيب نفسها التي تغوينا على القبول بالفقر، بوصفه امتحانا قدره علينا الاله كلي القدرة.
الفلاسفة يحتقرون الرعاع ويوارون كراهيتم تحت لغة عقيمة بلكنات مصطنعة:
سحقًا لك أيّها الاستاتيكي وأنت تتشدق بالفورمونولجيا المتعصبة؟!!
الفلاسفة الجبناء لا يصنعون ثورة
الرعاع الذين اقتحموا الباستيل عثروا  في برج المعتقل الشيطاني على  ثلاثة سجناء، أحدهم قتل عشيقته الفاسدة، وجدها تساوم شخصًا آخر مقابل ليلة شريرة في مخدع أحدهم، والآخر كهل فاسد يدير ماخوراً لنساء الليل أنفق مدخراتهن في رهان خاسر، والثالث لصا محترفا، ليس بالضرورة القول، إلا أحد من رجالات كومونة باريس كان معتقلا في برج الموت.