أنديانا: وكالات
طوال عقودٍ تبنى المؤرخون وعلماء الأنثروبولوجيا وجهة النظر الشهيرة القائلة بأنَّ الرجال في عصور ما قبل التاريخ كانوا يصطادون، فيما تجمع النساء الثمار والنباتات البريَّة، بينما تشير مراجعة حديثة للدراسات إلى أنَّ نساء ما قبل التاريخ اعتدن الصيد أسوة بالرجال، بل كن أفضل منهم في التلاؤم جسدياً مع تلك المهمة.
ولطالما روجت الثقافة الشعبية لصورة الرجل الذي ينطلق إلى الصيد رافعاً رمحه وحوله نساء يحملن أطفالهنَّ على ظهورهنَّ مع سلال في أيديهن، لكن مجموعة متزايدة من الأدلة كشفت أخيراً خطأ وعدم دقة عدد من المفاهيم الرائجة حول النساء والرجال الأوائل.
وبحسب دراستين جديدتين فإنَّ نساء ما قبل التاريخ شاركن الرجال في الصيد وكنَّ أكثر تلاؤماً منهم في أداء ذلك النشاط من الناحيتين الفيزيولوجية والبيولوجية.
وقيمت إحدى الدراستين التركيبة البِنْيويَّة لنساء ما قبل التاريخ بالاستناد إلى بقايا بشريَّة متحجرة، وعلى أساس هذا التقييم أثبتت الدراسة أنَّ نساء تلك الحقبة كن قادرات على أداء تلك المهمة الجسدية الشاقة المتمثلة في صيد الفرائس بل ومواصلة النهوض بها «لفترات زمنية طويلة».
ووجد الباحثون أنَّ جسد الأنثى أكثر ملاءمة لأنشطة التحمل «التي شكلت جزءاً محورياً في أساليب الصيد البدائيَّة المستندة إلى مطاردة الحيوانات حتى الإرهاق ثم افتراسها»، مستدلين على أنَّ هرمونات «أستروجين» و»أديبونيكتين» التي ترتفع نسبتها عند النساء بخاصة تنهض بدورٍ رئيسٍ في تعديل الغلوكوز والدهون، ما يعدُّ أمراً بالغ الأهمية في الأداء الرياضي.
وفي هذا الخصوص أوضحت المؤلفة المشاركة في الدراسة من «جامعة نوتردام» في الولايات المتحدة كارا أوكوبوك أنه «حينما تنظر إلى علم وظائف الأعضاء البشرية بهذه الطريقة فيمكنك تصوير النساء كعداءات في ماراثون والرجال كرافعي أثقال».
ومن خلال دراستهم للبقايا البشرية المتحجرة تعرّف العلماء على عدد من الرضوض المشابهة لتلك التي يتعرض لها مهرجو مسابقات رعاة البقر في عصرنا الحديث، ولاحظوا أن تلك الإصابات وما يصحبها من تلف أو تمزق تتركز عند مستوى الرأس والصدر وكأنها ناتجة من ركلة حيوان، وكذلك لوحظ أن معدلاتها وأنماطها جاءت متساوية لدى النساء والرجال في عصور ما قبل التاريخ.
وبحسب الدكتورة أوكوبوك «فحينما دققنا النظر في السجلات الأحفورية تبين لنا أن الذكور والإناث لديهم نوع الإصابات نفسه، ويدل ذلك على ممارسة كلا الجنسين صيد الحيوانات الكبيرة بأسلوب الكمائن».
وفي سياق متصل اكتشف الباحثون بقايا صيّادات عشن في البيرو قبل نحو 9 آلاف عام ودُفنّ مع أسلحة الصيد الخاصة بهنَّ، وتعليقاً على هذا الاكتشاف أكدت الدكتورة أوكوبوك أنه «في العادة يُدفن الإنسان بمفرده مع إضافة شيء ما إلى قبره يدل على اهتمامه الشديد بذلك الشيء أو استخدامه
المتكرر له».
ووفق العلماء فإنَّ نساء ما قبل التاريخ لم يتوقفن عن الصيد أثناء الحمل أو الرضاعة ولم يتأثرن يوماً بالأطفال الموثقين على ظهورهن، ووفق أوكوبوك «لم نر في الماضي البعيد أي مؤشرٍ على وجود توزيعٍ صارمٍ للأدوار بين الجنسين»، مضيفة «الحقيقة أنَّ المجموعات لم تضمُّ أعداداً كافية من الأشخاص حتى يتخصص كل واحد منهم في مهمة مختلفة عن الآخر، لذا اقتضى على الجميع أنْ يفهموا في كل شيء من أجل الاستمرار في البقاء».
يشار إلى أن الدراستين الجديدتين صدرتا في مجلة «الأنثروبولوجي الأميركي
{American Anthropologist}