العلاّمة القانوني حسن الرفاعي في مئويته

منصة 2023/11/30
...

 يقظان التقي


صدرعن "دار سائر المشرق" في بيروت  كتاب  حمل عنوان حسن الرفاعي، "حارس الجمهورية"، إعداد أحمد عيّاش وجوزيف باسيل وحسّان الرفاعي.

الإصدار كان في فصول عديدة من حياة إدارية وبرلمانية دستورية وقانونية، إلى أوراق من سيرة ذاتية لعلاّمة برلماني، رحالة قانونية بين اليسوعية وجامعة دمشق والجامعات الفرنسية. 

هو سيرة ذاتية تغطي أزيد من تسعة عقود من حياة رجل شغل الكثير من الشقّين السياسي والقانوني، وما زال بعيد المئة من عمره يجتهد ويفتي في المسألة الدستورية، وفي القانون الإداري مستحقاً اللقب "حارس الجمهورية"، الذي أطلقه عليه في مقدمة الإصدار أستاذ العلاقات الدولية في جامعات باريس، صاحب كرسي الجغرافيا السياسية في جامعة  (ESSEC) باريس الدكتور جوزف مايلا: (ذلك الذي عُرف بدفاعه عن القانون، أن يدافع عن «شرف الجمهورية» المنتهك بتجاهل القانون إن لم يكن «بالاعتداء عليه»، الرجل بين كل رجال السياسة الذي يحرص على ممارسة سياسة منسجمة مع القانون، ومع «الطائف» في مجاله القانوني والدستوري)..

الكتاب في سبعة فصول: الأول: السيرة، الولادة والعائلة، والثاني: تجربة نيابية باهرة، أما الثالث فهو: حسن الرفاعي في وزارة التصميم، والفصل الرابع: محاولة الاغتيال، والخامس حكاية الطائف، والسادس: مسيرة حافلة بعد النيابة، بينما كان الفصل السابع: وثائق وآراء قانونية مكتوبة.

الفصل الخامس قد يكون الأهم في الكتاب، ويروي حكاية الطائف وكل التحضيرات التي سبقته لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وحسن الرفاعي هو الوحيد الذي امتنع عن حضور الاجتماعات، وعن التصويت استناداً إلى رؤية تمسّك بها من ناحية القانون الدستوري والسياسي.

فيما الفصل السادس وهو ما بعد النيابة 1992 إلى اليوم على مدى أكثر من ربع قرن، حيث لمع اسم حسن الرفاعي أكثر لجهة غنى مواقفه وتفسيراته للطائف ومجاميع الفتاوى التي أطلقها، مبيّناً أنّ إقرار الطائف كان شيئاً، ولكن عملية التطبيق تمثّل شيئاً آخر. ثمّ ما بين الفصل الخامس والسادس تتمركز قضية غاية في الأهمية هي "الميثاقية".

في الفصل السابع مجموعة وثائق مكتوبة، رسائل إلى العميد ريمون إدّه، وثائق عن حكومتَي الرئيس الحص والرئيس عون، ودستورية الحكومتَين، ومواقف الرفاعي من قرار مجلس شورى الدولة حول التجنيس، ورسالته إلى الجامعة العربية حول اقتراح حل الأزمة اللبنانية.

الهدف من الكتاب ليس التشكيك في دستورية الطائف، بل على العكس من ذلك ففيه إشارة إلى مجموعة من الوثائق المشتركة التي لم يقرأها أحدٌ، والطائف كان شيئاً مهماً بالنسبة للمؤلف للانتهاء من الحرب، ولكن في الطائف الكثير الذي يؤيّده الرفاعي، وفيه أيضاً الكثير الذي عارضه. 

كرّس الرفاعي عمله في السياسة في خدمة الحياة االبرلمانية والديمقراطية التي لن يتطور لبنان من دونها، وجعل من هذا العمل أولويّته ورسالته الوطنية. التزم روح القانون ونصّه في بلد اشتهر بالالتفاف على القانون، ويعمل بلا دستور (عمليا)، قلة من رجال السياسيين والبرلمانيين، من يحترم العمل بقواعد الدستور، وأصبح الاستثناء هو القاعدة  في جمهورية الطائق. 

يعتبر الرفاعي رجلا وطنيا لا يساوم، لم يساوم في الطائف، الوحيد الذي سجل تحفظات مهمة، وبدّت قراءته الأكثر صوابيّة والتصاقًا للقانون اعتمادا على اجتهادات قانونية لرجال قانون متخصصة في دستور الجمهورية الثالثة التي أخذ عنها الدستور اللبناني الكبير، مكرسا  عمله البرلماني في احترام ماهيته ووظيفته وروحيتها. رجل تعرض لمحاولة اغتيال وصفح عن من حاول قتله كرجل إنسانية وتسامح. 

كتاب حول سيرة برلماني وإداري عتيق. يتوسع في تحليل  طبيعة النظام اللبناني وتعقيداته ومفارقاته، ويشغله أكثر من القانون الدستوري القانون الإداري وتطبيقاته في بناء الدولة الحديثة.

يعدُّ الرفاعي أن «الاتفاق الثلاثي» الذي وقعت عليه الميليشيات في سوريا، 1985 هو سبب البلاء. وهو الذي ربط اجتماعات مجلس الوزراء بحضور الثلثين، وهو الحضور التمثيلي المعوّل عليه في تعديل الدستور،  الأمر الذي أعطى الوزير اللبناني مساحة حضور قوية. ثمّ ليس صحيحاً أنّ صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني انتقلت في الطائف إلى رئيس مجلس الوزراء السني. لذلك يطالب حسن الرفاعي بتنقية الطائف وتقييّد صلاحيات الوزير وبإعادة صلاحية إقالته لرئيس الحكومة بالتفاهم مع رئيس الجمهورية.

ويكشف  الرفاعي بأنّ مهندس الثلث المعطل كان البرلماني ميشال المرّ، وأن هذا الثلث المعطل جرى تسويقه مع البطريرك صفير على اعتبار أنّ السلطة التنفيذية أصبحت بيد السنّة في ومع تساوي عدد النواب، صار بوسع جزء من الوزراء المسيحيين الاستقالة، مما يريح رئيس الجمهورية من حقوق مزعجة. وهذه فكرة درست في الاتفاق الثلاثي.

نقطة أخرى يوضحها حسن الرفاعي أنّ مسألة النسبية لم يجرِ التطرق إليها في الطائف ولا قضية اللامركزية؛ بشكل موسّع والرئيس الوحيد الذي نجح في تطبيق اللامركزية هو الرئيس فؤاد شهاب.

كتاب مهم، يتضمّن معلومات مهمّة عن النقاشات التي دارت حول تواقيع متنوعة كاتفاق القاهرة 1969، الاتفاق اللبناني - الإسرائيلي المجهض سنة 1983، المباحثات اللبنانية - اللبنانية حول الإصلاحات الدستورية، الأسئلة التي طرحت عن انتقال السلطة السياسية سنة 1988.

ويعترف الرفاعي بنقدٍ ذاتي أنّه أخطأ بالتوقيع على اتفاق القاهرة الذي أعطى قدراً كبيراً من حريّة المعركة للفدائيين الفلسطينيين. ويوصي الرفاعي بالاطلاع بتخصصية على القانون الدستوري في قراءة الطائف..

والكتاب مشوار ممتع مديني  من رحاب  اليسوعية إلى جامعة دمشق ومغامرات لم تنجح في قضايا المال، بل كانت قضايا خاسرة، إلى الرفقة مع شخصيات مثل الرئيس كميل شمعون ومع شخصية علمية ذات رؤى وتصميم علمي حداثي مثل حسن مشرفية، مع  العميد ريمون إدّه، ألبير مخيبر، إدمون رزق وآخرين.

كتاب مرجعي لعلاّمة ومفتٍ في المسائل الدستورية والقوانين وفي الطائف وتعديلاته ورجل من رجالات الدولة الحقيقيين، الرجال الذين يريدون بناء الدولة على قاعدة ما تتألف من تلك العملية السياسية الشريفة .

وهي سيرة حافلة في كتاب لزوم المكتبة الديموقراطية والليبرالية والميثاقية مع شخصية شاملة مع بلوغها المئة عام على حكمة ودراية من زمن البرلمانيين اللبنانين الكبار . 

سيبقى حسن الرفاعي من بين رجال السياسة رجلًا صافيًّا بالمعنى السياسي، في بلد تعدّدت فيه الآلهة وحروبها وانقساماتها وتسبّبت بأفعال تراجيدية. وقراره المادة الغنية والخصبة أبعد من التبسيط تتجاوز العاطفة إلى استرهافات تأتي من عمق عمره وحياته ووقفاته ومحاولة إدراك مناطق تجارب جمهورية، دافع فيها عن القانون وشرف الديمقراطية.