أحبك موت

منصة 2023/11/30
...

لا يوجد شيءٌ في الدنيا أجمل من الحب وأروع، ذلك لأنَّ الحب هو الفرح، هو النضج، هو الكمال، هو اليقين بأنك موجود. باختصار الحب هو الجنة التي يأتي بها الحلم الى الدنيا لتعيش فيها آدميتك كإنسان.

ولأنَّ الحب جنة، فإنَّ مفردات التعبير عنه ينبغي أنْ تكون من بين ما تفوح به الجنة من فرحٍ وبهحة وأملٍ وتعلق بالحياة، لكننا لو أحصينا ما نغنيه وما نقوله عن الحب، لوجدنا أنَّ معظم المفردات التي نصفه فيها تنتمي الى النار.

تأمل أي مطربٍ يقرأ بيتاً من الأبوذيَّة (وبالمناسبة، تعني الأبوذيَّة صاحب الأذيَّة والبلوى) لوجدتم أنَّه يستهل غناءه بكلمة «يا ويل» يرددها عشرات المرات. و»الويل» (واد في جهنم لو أرسلت فيه الجبال لماعت من حرّه) على حد ما يذكره مختار الصحاح، وتعني في قواميس أخرى حلول الشر، أو الهلاك أو العذاب، وأنها تقال عند نزول المصائب.ومع ذلك فإنَّ الويل تجدها على لسان كل المطربين باختلاف مشاربهم وأطوارهم، بدءاً من حضيري أبو عزيز قبل 77 عاماً مروراً بعبد الحليم حافظ الى راغب علامة الى ياس خضر وكاظم الساهر وسعدون جابر، ولا أعرف من جاء بعدهم لأنَّني لا أستمع لهم.

ومن الغناء انتقلت العدوى الى أحاديثنا حتى صارت عبارة (أحبك موت) تغريدة كلام المحبين ولازمته. وربما تقولون إنَّ في هذه العبارة إشارة الى شدّة وله الحبيب بحبيبته وهيامه بها، أو ربما يعني ذلك أنَّ حبه أو حبها سيدوم ما دام النبض يسري في العروق، أو أنَّ حبهما سيبقى الى آخر نفسٍ فيهما، وهو أمرٌ مشكوكٌ فيه على الأعم الأغلب.

ويبدو لي أنَّ تفسير (أحبك موت) لا يقف عند الإشارات أعلاه، فهناك خيطٌ رفيعٌ يرتبطُ بسببٍ نفسي آخر هو على وجه التحديد ميل الرجل الشرقي الى التعلّق بالحزن أكثر من تعلقّه بالفرح. بعبارة أوضح إنَّ في حياة كل إنسان جوانب سعيدة مشرقة وأخرى تعيسة قاتمة، وإنَّ الرجل الشرقي «لأسبابٍ يطول شرحها» يميل الى أنْ يهتمَّ بالجوانب المحزنة فيضخّمها ويغلّبها على الجوانب المبهجة في حياته، وأنَّه يتطير حتى من الفرح الذي يعيشه، وإلا بماذا تفسرون قولنا (اللهّم اجعله خيراً) لحظة نضحك منطلقين.