لماذا وماذا نريد من خطة التنمية؟

اقتصادية 2023/12/03
...

عبد الزهرة محمد الهنداوي

ربما يتحدث البعض من معتنقي المذاهب والمدارس الاقتصادية المختلفة، عن مغادرة  فكرة التخطيط المركزي، في ظل تغير الاتجاهات والنظريات والفلسفات التنموية، ومحتوى هذا الحديث، أن التخطيط المركزي لم يعد صالحا لهذا العصر، في ظل انحسار دور الحكومات، واتساع ساحة القطاع الخاص، الذي بات يهيمن على المشهد التنموي، يحدث هذا في البلدان ذات النظم الليبرالية، أما في الدول التي ما زالت تعتنق النظم الاشتراكية، فإنها متمسكة بالتخطيط المركزي، والحكومة فيها تتولى كل شيء، تخطيطا وتنفيذا.
ولكي لا أبتعد كثيرا عن فكرة الموضوع التي أريد الخوض فيها، فإني سأتحدث هنا عن الخطط الخمسية في العراق، التي تُعد خططا متوسطة المدى، فقد شهدت السنوات الخمس عشرة الماضية، إطلاق ثلاث خطط تنموية، كانت الأولى (2010 - 2014) ولكنها ما لبثت أن توقفت أو أوقفت بسبب الظروف الاستثنائية في البلد، وحلّت محلها الخطة الثانية، (2013 - 2017)، ثم جاءت الخطة الثالثة ( 2018- 2022)، وهنا يأتي السؤال الكبير: ما الذي تحقق من تلك الخطط، وما الذي لم يتحقق؟ وفي الإجابة عن هذا السؤال، بالتأكيد ثمة ما تحقق، ولكن ربما لا يبدو هذا المتحقق واضحا، في ظل تهالك كبير تعاني منه قطاعات التنمية بجميع مسمياتها، وكما يُقال في المثل الشعبي (الشگ كبير والرگعة صغيرة)، أما لماذا لم تحقق تلكم الخطط أهدافها، فهذه حكاية أخرى يطول الحديث فيها، عنوانها الأبرز، أن التحديات والمخاطر التي واجهت الخطط، لم تكن واردة في الحسبان، فهي مختلفة وشديدة الوطأة، مرة تكون أمنية وأخرى سياسية، وثالثة صحية، ورابعة مالية، وخامسة، وسادسة.. إلخ .
وعموما فإن الزمن قد مضى، والخطط انتهى أمدها الزمني، وأصبحنا أمام مرحلة جديدة، بكل شيء أمنيا وسياسيا واقتصاديا وصحيا، وحتى اجتماعيا، وكل ذلك يستدعي بقوة، الذهاب باتجاه وضع خطة خمسية جديدة، هي الأخرى ينبغي أن تكون مختلفة عن سابقاتها، وهذا الاختلاف يأتي من خلال استجابتها الحقيقية، لجميع التحديات، على المستويين الداخلي والخارجي، وكلما كانت استجابتها عالية للمخاطر، مكّن ذلك المعنيين من تحقيق الأهداف المرسومة في ثنايا الخطة، وبحسب الأولويات القطاعية، والاستجابة ترتبط أيضا بالقدرة العالية على التوقع للمتغيرات التي يمكن أن تحدث في أي لحظة، وهذا ما يسمى باللايقين التنموي، وهذا اللايقين يرتبط بعدم استقرار أسعار النفط، التي قد تشهد انخفاضا في أي لحظة، ويرتبط كذلك بالظروف العالمية، مثل الحروب والنزاعات والأوبئة وغير ذلك، وما حرب روسيا وأوكرانيا وجائحة كوفيد ـ 19 ببعيدة عنا. كذلك لا يمكن للخطة أن تغفل التغيرات المناخية المخيفة، التي باتت تهدد الكثير من بلدان العالم بالكثير من المخاطر والتداعيات، والعراق من بلدان العالم المتأثرة بمثل هذه التغيرات.
ووفقا لكل ما تقدم، فإن الأهداف التي تحددها خطة التنمية الخمسية، التي أعلنت وزارة التخطيط الشروع بإعدادها للسنوات الخمس المقبلة، يجب أن تكون دقيقة وقابلة للقياس والقبول والواقعية، وذات إطار زمني محدد، وفق أولويات محددة، مع وجوب مشاركة وإشراك جميع الفعاليات على مستوى الدولة في عملية الإعداد، لكي تكون معبرة عن الجميع، فضلا عن أن هذه المشاركة، تمثل التزاما صريحا من قبل هذه الفعاليات بتنفيذ الخطة، والسلطتان التشريعية والتنفيذية، فضلا عن القطاع الخاص والمجتمع المدني والإعلام، كلها معنية بهذه الشراكة، لضمان الوصول إلى المستهدفات التي يتم التباني عليها من قبل الجميع، فقد آن الأوان للنهوض بقطاعات التنمية وتغيير حياة الناس، وفق خطط تنموية واقعية مرنة، وقابلة للتنفيذ.