الطين في رواق الفن والثقافة بالنجف

منصة 2023/12/04
...

  هدى عبد الحر

عادة ما تكون الجلسات الثقافية في مدينة النجف أمسياتٍ وليست أصبوحات، وتصاحبها محاضرات أو جلسات نقاشية كلاسيكية، وبمادة مكتوبة على الورق أو على الطريقة الرقمية في الحاسوب، مع
الاستعانة بجهاز آخر من نتاج  
تطورات التكنولوجية الحديثة المتعارف عليها.
 أما في صباح الجمعة الماضية، فكانت الجلسة خارجة عن المألوف، والنسق السائد، إذ جمعت بين الماضي والحاضر بطريقة محبّبة ولافتة للنظر،
فقد كان الطين حاضرا بمختلف أنواعه، وكانت عجلة صناعة الفخار أو ما يسمى (الويل) أو (الجرخ) من أجزاء الأصبوحة ومفاصلها التي أدارها ببراعة الكواز المحترف
سليل أسرة (القيسي) الفنان عقيل الكواز.  
وتحدث عقيل الكواز، وهو الابن السادس لهذه المهنة التي تكاد تكون نادرة في الوقت الحاضر، عن
سبب تسمية من يمتهن هذه الحرفة بالكواز.
وكلمة "الكواز" مشتقة من الكوز،
وهو إناء يبدو أصغر حجماً من الحبّ، ويوضع فيه الماء، كما ويمكن نقله
من مكان إلى آخر بسهولة لصغر
حجمه.
وقد اعتادت الأسر في السابق حمله إلى سطح الدار، لعدم وجود أدوات التبريد، كما في الوقت الحاضر.
صانعو هذا الإناء في العراق يطلقون عليه تسمية "الكواز" أما في مصر فيسمى "الأوللي"، وفي السعودية يسمى "الغراش" ولكن في بعض الدول التي تتحدث الانكليزية فيطلقون عليه تسمية (potter maker).
كما وتناول القيسي في الجلسة، أنواع الطين بأدق التفاصيل، إذ إن بعض أنواعه يبلغ سعره عشرات الدولارات، لاستخدامات التي تستخرج منه مستحضرات التجميل، فضلا عن حديثه عن مناطق تواجده في العراق وبعض الدول الأخرى.
وركز القيسي خلال حديثه عن الأدوات التي تصنع من بعض أنواعه، مثل (التنكه، الحب، الجرة، السندانة، كباسة السمك) وغيرها.
كما وتناول حركة "الويل" مع اليد بمساندة عتلة بجانب العجلة الكهربائية وكذلك التحكم بالسرعة، وشفرة التعديل وغير ذلك.
القيسي تحدث أيضا عن كيفية تزجيج الفخار، وهي عملية طحن بقايا الزجاج بواسطة الرحى وتحويلها إلى مادة ناعمة، كأنها الدقيق مع إضافات أخرى تجعل الفخارية محتفظة باللون إلى نحو ألف عام بصحبة اللمعان والجمالية والأناقة.
وقد أوضح القيسي حديثه عبر نماذج طينية شكّلها مثل المزهريات الصغيرة والأكواب وغير من أشكال مختلفة شارك أغلب الحضور بصناعتها والسؤال عن تفاصيلها ، ومن ثم عمد إلى توزيعها على الحاضرين كهدايا.
تضمنت الأصبوحة أيضا قراءة أوراقٍ ثقافية عن النجف وقدسيتها وأهميتها الدينية والثقافية  مع أسماء هذه المدينة، وكذلك مرقد الإمام علي  للدكتور عبد الزهرة، وتركي الفتلاوي.  
وتخللت الجلسة مداخلات للحاضرين والمشاركين، مع "بازار" صغير وعرض لوحات، هي عبارة عن مجسمات ومصغرات من عمل سعد الجد صنعها من الجلد وإضافات فنية أخرى.
ومن الجدير بالذكر إن هذه الفعاليات الأسبوعية يشرف عليها الفنان سعد الجد، وتجد لها صدى جيدا في المجتمع النجفي، حيث تؤسّس لحراك فني وثقافي فعّال يخرج عن النمطية، ويجعل من الفن متاحا للجميع، فضلا عن سعيها بطريقة غير مباشرة بدعم التذوق الفني والشعور بالجمال وينشر ثقافة المحبة والسلام.