ميسلون فرج.. هوية الأصالة وأثر المكان

منصة 2023/12/06
...

 إحسان العسكري

عادة ما يناقش العقل مجالات الرؤية ويتأثر بإسقاطات اللون على البصر، ولكن نادرا ما تجد اللوحة الفنية مساحتها في نفس المشاهد حسب صوتها المرئي، وبما تنطق من تفاصيل وضربات الفرشاة واللون المتناسق الذي يجر المخيلة لمدياتها التي تبحث عنها..

كشرقيين نواجه صعوبة في فك ارتباطنا بنمطية الثقافة التشكيلية القادمة من الغرب.. نحن نغرق في خيال روادها، ونُعجب بإنتاجاتهم ونمعن البحث في حيثياتها وانتقالاتها تطورها ونجاحاتها، وحتى فشلها وأزماتها. ولكنَّ ثمة انتظارًا واستئناسًا بالضوء الذي في آخر النفق، إذ إننا لا ننفك أن نميل لمحليتنا وأصولنا ويبهجنا كثيراً أن نَجِدنا في عمل فني، فهذا ما ينمي انتماءنا لأصالة أفنينا قروناً عديدة ندعيها. 

ميسلون فرج تمنحنا هذه الفرصة، وما زالت عاكفة على هذا الهدف، فلوحاتها لم تكن متأثرة كلياً بمحيطها رغم أنها ولدت وترعرعت في الولايات المتحدة الأميركية، وتنقلت بين دول العالم المختلفة. 

المتابع لأعمالها يمكنه ملاحظة العراقية الخالصة في لوحاتها، خاصة استخدامها لرمزيات هي من صميم حياة الشرق، حيث تركز على المنزل وتفاصيله، حتى جعلت منه أيقونة لهويتها الفنية.

تعتمد فرج عبر أعمالها المدرسة الواقعية بخيال التعبيرية في أنساق لونية تمثل قمة النقاء والدقة والخطوط الحادة، وكأنها تعبر عن التزام شديد بشيء ما، ربما كانت الأصالة ذاتها. 

وعبر حرفيتها وانتقالات أعمالها بين أروقة المعارض العالمية والكتب، رسمت فرج لنفسها طريقاً لا يختلف بشيء عن من سبقها وجايلها من فناني العالم، فبعقلية المرأة الواعية وابداعها وعبر الاستنارة بالعالمية والانتماء للأصل، هناك بحث عن مواطن الرقي الجمالي فوثقته وعن النضوج الفني فألفته. 

ثمة هوية خاصة تختلف عن هوية الأعمال الفنية والإبداعية الأخرى، لأنها تستثمر الخيال بشكل ذوقي مميز، فضلا عن أنه معين بإبراز رؤية صانعه، نجده يحكي حياتنا بتفاصيل مثيرة للجمال المكاني والزماني غير المتناهي.. وهذه هي مسؤولية الفنون التشكيلية باختلاف فروعها وتنوع مجالاتها، لذلك وجدت فرج عاملاً دافعاً إلى التقدم الشكلي والنوعي في الرسم، باعتمادها فكرة إحياء وتجديد اللوحة التشكيلية. إن استخدام تفاصيل المنزل شيء لم نلحظ أنه منتشرٌ بكثرة مع هكذا تفصيلات وخطوط بمخيلة، اعتُمدت فيها أسس متينة، أسهمت في تألقها وتطويرها الثقافة المكانية للفنانة. 

الفن التشكيلي إذًا هو ما تسامى بالزمانية غير المحددة، واستخدم المكانية المجهولة للتعريف بسر الجمال! وساعد على اكتشاف الشيء المثير، بعيداً عن الثغرات التي تؤثر سلباً في  المنجز الإبداعي.