روخيليو كونزالس اندرادس
ترجمه: عمار إبراهيم الاماره*
هما مدينتان افريقيتان على الشاطئ المقابل لأوروبا، تقعان في موقعٍ استراتيجي على البحر الأبيض المتوسط، رغم ارتباطهما جغرافياً بأفريقيا والمغرب، إلا أنهما تخضعان للسيادة الإسبانيَّة، وتتمتعان بحكمٍ ذاتي.
فكيف أصبحت «سبتة ومليليَّة» مدناً إسبانيَّة رغم التاريخ والجغرافيا المغربيين؟
حضارات وقوى أمبراطوريَّة تعاقبت على المدينتين.
سبتة الواقعة أقصى شمال المغرب يحيط بها البحر من ثلاث جهات، ويقابلها في الضفة الأخرى مضيق جبل طارق.
وتشير الاكتشافات إلى أنَّ هناك وجوداً لآثار إنسانيَّة تعودُ لآلاف السنين، وقد كانت مركزاً تجارياً حيوياً منذ القدم، بنيت على أنقاض مستعمرة فينيقيَّة. وتدعي الأسطورة أنها أحد أعمدة هرقل، وقد وقعت تحت سيطرة القرطاجيين، ثم ضمتها الامبراطوريَّة الرومانيَّة، حتى استقلَّ بحكمها الكونت خوليان الذي انقلب على حلفائه السابقين بسبب خلافات شخصيَّة وتحالف مع المسلمين، لتكون منطلقاً للوصول إلى الأندلس بقيادة طارق بن زياد.
ومن يومها بدأ عهدٌ جديدٌ في المدينه وشقيقتها «مليليَّة» ذات المساحة الصغيرة الواقعة شمال المملكة، مقابل سواحل غرناطة والميريا، وتشكل امتداداً لمنطقة الريف المغربي.
وهي تتشابه تاريخياً مع سبتة، واسم (مليليَّة) له أصلٌ أمازيغي مشتقٌ من كلمة تمليل، والتي تعني اللون الأبيض نسبة إلى لون الحجر المنتشر على أرضها.. وبعد انطلاق ما يسمى (حروب الاسترداد) سقط حكم المسلمين في الأندلس وسيطر البرتغاليون على سبتة والإسبان على مليليَّة، وتنازلت البرتغال عن سبتة بمقتضى معاهدة لشبونة لتنتقل للتاج الإسباني أسوة بمليليَّة.
ومن يومها أصبحت إسبانيا تؤكد سيادتها على المدينتين. لكنَّ السلاطين المغاربة لم يعترفوا بالأمر الواقع، مؤكدين أنَّ المدينتين جزءٌ من التراب المغربي، ولم تتوقف محاولات استعادتهما وأبرزها كانت محاصرة السلطان مولاي إسماعيل وقواته للمدينتين، ثم سعي السلطان سيدي محمد بن عبد الله لسنواتٍ للدخول إلى مدينة «مليليَّة» من دون نتيجة تذكر، كما قاد السكان المسلمون من داخل المدينتين عدة احتجاجات ضد السلطات الإسبانيَّة، لكنَّ الوضع استمرَّ حتى استقلال المغرب عن كلٍ من فرنسا وإسبانيا وحينها طالبت المملكه المغربيَّة باستعادة مدينتي سبتة ومليليَّة، فضلاً عن جزرٍ صغيرة قبالة سواحلها وعدتها جميعاً مناطق محتلة، وأكدت في عددٍ من المناسبات عدم تخليها عن مطالبها.
إما الأمم المتحدة فلم تسجل «سبتة ومليليَّة» ضمن لائحتها المعنيَّة بإنهاء الاستعمار وتصفهما بأنهما تابعتان للنفوذ الإسباني.
التوتر بين الدولتين يزيد أحياناً، ويهدأ أحياناً أخرى، خصوصاً بعد زيارة قام بها الملك الإسباني السابق خوان كارلوس واندلعت إثرها احتجاجات منددة بالواقعة وبلغ مداها العاصمة مدريد.
لكنَّ السلطات الإسبانيَّة ترفض فتح الملف بمفاوضات أو حوار مع الجانب المغربي وشرعت تدريجياً في عزل المدينتين عن الجغرافيا المغربيَّة بسياجٍ مشدد الحماية لتأمين حدودها بوجه المهاجرين الراغبين في الوصول إلى البر الأوروبي عبر المغرب، لكنَّ ذلك لم يمنع عمليات تهريب البضائع بشكلٍ كبيرٍ لسنوات بين الجانبين، كما تواجه إسبانيا اتهامات بالتمييز والتضييق على سكان المدينتين من المسلمين، وخلف متاهات السياسة يعيش في المدينتين على الأرض ذاتها مسلمون يشبهون جيرانهم المغاربة في عاداتهم وتقاليدهم مع مسيحيين ويهود وهندوس.
عن كتاب تاريخ حروب اسبانيا في المغرب
* استاذ في جامعة بغداد