2023.. عامٌ التناقضات الموجعة

ريبورتاج 2023/12/31
...

 فجر محمد وبدور العامري

كان العام 2023 يحمل في طياته الكثير من الأحداث، والتناقضات بدءاً من الزلازل التي ضربت دولا متعددة منها العراق الذي تأثر بالهزات الارتدادية وصولا إلى الحروب والصراعات العسكريَّة التي اقتحمت العديد من المناطق في العالم التي كانت تتمتع بالهدوء النسبي، فضلا عن العديد من الحوادث المحليَّة أما على الصعيد الآخر فقد شهدت البلاد مشاريع وخطوات واعدة جديدة، قد تبشر بعام مليء بالانجازات والنجاحات.

شروط السلامة
في قاعة زفاف ضمت الأهل والأقارب والأصدقاء، كان عروسا قضاء الحمدانيَّة يرقصان ويتمايلان على ايقاع النغمات وفرحة الحضور، وفي خضم تلك اللحظات التي ينتظرها أيُّ شريكين يحتفلان بزفافهما، كانت الفاجعة تترصّدهما والنيران تشتعل من فوقهما من دون أن ينتبها إلى ذلك فقد كانت القاعة التي وقع اختيارهما عليها، لاتتمتع بشروط السلامة المطلوبة. فضلاً عن ذلك كان هناك عامل مساعد آخر على اندلاع الحريق، وهو الألعاب الناريَّة التي اشعلت مما ادى إلى احتراق سقف القاعة.
وبعد لحظات خيم الظلام والدخان على ارجاء المكان، وسقط العشرات بين مصاب وقتيل جراء هذا الحادث الأليم، إنَّ اندلاع هكذا حادث ليس بالامر الغريب نتيجة عدم اتباع شروط السلامة التي يقرها بين الحين والاخر الدفاع المدني، ولكن يتم يتجاهلها دائماً من قبل العديد من المؤسسات في البلاد.
ونتيجة لهذا الاهمال قضى أكثر من مئة شخص نحبهم في عرس الحمدانيَّة، في حين تعرّض آخرون إلى اصابات وحروق شديدة استدعت نقلهم إلى خارج البلاد، وفي خضم ذلك أعلن رئيس الوزراء الحداد لمدة 3 أيام على أرواح ضحايا فاجعة الحمدانيَّة.

صمت عالمي
حصلت تداعيات مختلفة في أوروبا والعالم العربي، جراء حرق المصحف من قبل احد اللاجئين في السويد وهو من أصل عراقي، إذ تسبّبت هذه الحادثة بغضب واسع بين الجماهير في العراق مما دفع بعض الشباب إلى اقتحام مقر السفارة السويديّة في بغداد، وتداعيات هذه الحادثة التي تسببت بتوتر العلاقات بين السويد والبلدان العربية والإسلامية.
لم يكن العراق بمعزل عن الحرب الطاحنة التي شنها الكيان الصهيوني، ضد الفلسطينين الأبرياء إذ خرجت مظاهرات تندد بهذا العدوان، وتدعو إلى الوقف العاجل لاطلاق النار غير أن الصمت العالمي خيّم على أغلب الدول، ولم تحرك ساكناً كما أن العراق سعى إلى ايصال مساعدات إنسانيّة إلى أهالي غزة المحاصرة، الذين يمرون بظروف إنسانيّة صعبة وحاول في كل مناسبة أن يبدي دعمه وتضامنه مع شعب فلسطين.

مشاريع إسكان
شهد العام 2023 وضع استراتيجية لمعالجة أزمة السكن في البلاد، وبحسب بيان للمتحدث الرسمي للهيئة الوطنية للاستثمار مثنى الغانمي قال فيه: إنّ البرنامج الحكومي لرئيس الوزراء السوداني حدد منذ البداية هذه الاستراتيجية اذ تم عقد اجتماعات عديدة، لفريق المدن لمعالجة هذه الأزمة من جذورها، إذ تمخضت عن إنشاء مدن سكنيّة مستدامة متكاملة وليس التوسّع فقط بإنشاء مجمعات سكنيَّة بعدد محدود من الوحدات، وأضاف الغانمي، أنّه تمَّ اختيار رئات سكانيّة جديدة في بغداد وبقية المحافظات بعيداً عن مراكز المدن واختناقاتها، موضحاً أنَّ الهيئة الوطنيَّة أعلنت عن 5 مدن سكنيّة كفرص استثماريّة دوليّة كمرحلة أولى منتصف هذا العام.

جهد وطني
أما في مجال السياسة الماليَّة والاقتصاديَّة فقد اتخذت الجهات المسؤولة خطوات من أجل تسيّد العملة الوطنيّة، عوضاً عن الأجنبيّة، إذ بيّنَ مستشــار رئيس الوزراء للشؤون الماليَّــة الدكتــور مظهر محمــد صالح، أنَّ «التســعير بعملة بلــد آخر (أجنبيّة سيخضــع المســتوى العــام للأســعار إلى اضطرابــات الســوق والمضاربين، مما قد يــؤدي إلى حرمــان الســلطة النقديَّة من ممارســة الاســتقرار بموجب قانون البنك المركزي رقم 56 لسنة 200.
منذ فترة وجيزة بدأت الحكومة العراقيَّة بنشر واشاعة التداول الالكتروني، فعلى سبيل المثال بدأتْ عدة مؤسسات حكوميَّة ومنها النفط باستخدام الجباية الالكترونيّة، إذ انطلق المشروع الجديد في مختلف مفاصل وزارة النفط، منذ نيسان المنصرم ومن المنتظر أن يتسيّد التعامل الالكتروني في الجباية داخل محطات الوقود في البلاد، في العام 2024.
ولأنَّ هناك مساعي متعددة لركوب موجة التحول نحو الالكترونية في البلاد، وليس الهدف من ذلك الأمر هو مواكبة الحداثة والتطور فحسب، وإنما أيضا من أجل تحقيق التعامل بشفافية في مختلف الأنشطة الاقتصاديّة، ولهذا وفي وقت سابق دعا المصرف المركزي المواطنين إلى استخدام البطاقات الائتمانيّة عوضاً عن التعامل النقدي، مع انتشار نقاط البيع POS هو أيضاً عاملاً مشجعاً آخر كي يتحول المواطن إلى التعامل الالكتروني. وترى الجهات ذات العلاقة أن التوسع في تجربة الدفع الإلكتروني بالأسواق المحليَّة سيكون بمثابة عامل إسناد ودعم للبنك المركزي، فضلاً عن الاقتصاد العراقي وذلك بتقليل كلفة نقل الأموال الورقيَّة، والحفاظ عليها وان تكون بمأمن وأن هذه الخطوة قد تساعد على سد ثغرات تهريب وإخراج العملة إلى الخارج.

فكُّ الاختناقات المروريَّة
أما في مجال فكِّ الاختناقات المروريَّة في شوارع العاصمة بغداد، فقد شهد العام 2023 المباشرة بعدد من المشاريع التي تنفذ لأول مرّة في بغداد منذ ما يزيد عن أربعة عقود، وعدّه المتابعون للمشهد الخدمي جهداً متميزاً من قبل الحكومة الحاليَّة، إذ أكد رئيس الوزراء السوداني خلال افتتاح مشروع تطوير ساحة النسور تحرك الحكومة بخطوات علميّة باتجاه الخدمات، لأهمية هذا الملف للمواطن من الناحية المعيشيّة والعمرانيّة والصحيّة والبيئيّة، مبيّناً أنَّ الخدمات في العاصمة تمثل أولوية لا سيما في ما يتعلق بالازدحام المروري الذي يمثل مشكلة مزمنة، مبيّناً أنَّ الآثار الايجابيّة لهذا المشروع ستظهر آثاره بعد التنفيذ، ومن الجدير بالذكر أنَّ فكَّ الاختناقات المروريَّة سيشتمل على 16 مشروعاً كمرحلة ينفذ بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة ومنها أمانة بغداد، فضلاً عن  وزارة الإعمار والإسكان التي ستشرف وتتابع أيضا المشاريع، كما أنّ أغلبها ستنفذ من قبل شركات أجنبية عريقة لها باع طويل في هذا المجال، وارتباطا بفك الزحام المروري فقد جرى تطوير عدد من الساحات والتقاطعات في شوارع بغداد، عن طريق بناء أنفاق ومجسرات جديدة، فضلاً عن توسعة الطرق في أغلب المناطق، فضلاً عن تطوير وتأهيل جميع مداخل العاصمة الرابطة بين المحافظات الجنوبيَّة والوسطى والشماليّة والغربيّة .

تطوير العلاقات الدبلوماسيَّة
يمكن اعتبار العام 2023 عام عودة العراق إلى موقعه الدولي ومحيطه العربي بفعل عدد من الخطوات التي قدمتها وزارة الخارجيّة العراقيّة والجهود الدبلوماسيّة، إذ شهد شهر تشرين الثاني المنصرم، عقد مؤتمر للسفراء بنسخته السابعة في بغداد بمشاركة (85) سفيراً ورؤساء للبعثات السياسيّة والقنصليّة العراقيّة في الخارج، إذ حمل المؤتمر شعار (الدبلوماسية العراقيّة.. علاقات دوليّة متوازنة وتنمية اقتصاديّة مستدامة).
وفي ذات السياق أكدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت، أنّ العراق يتمتع بفرصة ممتازة للتقدم السريع في تنميته المستدامة، وقالت بلاسخارت في كلمة خلال تهنئتها للشعب العراقي بمناسبة أعياد الميلاد “إنّه بالعودة إلى العام الماضي، قلت إنّه في ظل الاستقرار السياسي والفرص المشرقة التي تلوح بالأفق، فإنَّ العراق يتمتع بفرصة ممتازة للتقدم السريع في تنميته المستدامة، وبعد مرور عام، برزت بالفعل عدة خطوات مهمة ومبادرات واعدة”، وتابعت بلاسخارت في رسالتها “ان البلد في وضع يمكنه من اغتنام الفرص العديدة المتاحة أمامه ولكن القيام بذلك لن يكون بالمهمة السهلة، ومن ثم لا يسعني إلّا أن اكرر كلمات الأمين العام أنطونيو غوتيريش خلال زيارته في وقت سابق من هذا العام: (ان الأمم المتحدة ملتزمة بدعم العراق لتوطيد مؤسساته الديمقراطية ودفع عجلة السلام والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان لجميع العراقيين).

قانون الضمان الاجتماعي
شهد البرلمان العراقي خلال الأشهر المنصرمة، تشريع عدد من القوانين التي عدها نقلة نوعية شملت الوضع السياسي والاقتصادي، كان آخرها التعديل على قانون العمل والضمان الاجتماعي الذي شمل تغييرات جذريَّة ستعود بالنفع الكبير على شريحة واسعة من الشعب العراقي، وهم عمّال القطاع الخاص والعاملون لأنفسهم، إذ ستسهم بسحب العمالة التي أثقلت كاهل القطاع العام وتوفير الضمانات المالية والتقاعد لهم.
وأخيراً طوى العام 2023 صفحاته، واختتم بانتخابات مجالس المحافظات التي أثارت لغطاً واسعاً بين مؤيد وآخر معارض، إذ تضاربت الأنباء بشأن العدد الكلي للمصوّتين خصوصاً وأن مجالس المحافظات لطالما رفضت من قبل شريحة واسعة من الناس، ولكنها اليوم عادت إلى الواجهة من جديد وأجريت الانتخابات في 18 من هذا الشهر، ومن المنتظر أن تباشر المجالس بعملها في وقت قريب.