زينب جريدان: شجرة الصفصاف الباكي

منصة 2024/01/29
...

 عمان: يعرب السالم

منذ نعومة أظفارها كان إحساسها الفني هو الغالب على كل شيء في حياتها، فمارست هواية الرسم كبداية، ثم توالت السنوات لتؤسس مشغلها الفني الشخصي الاحترافي الذي أسهمت الأسرة في نشوئه وتحديد ملامح موهبتها فيه، فكانت أول جائزة في مرحلة الثانوية عن لوحتها الواقعيّة (شجرة الصفصاف الباكي).

زينب جريدان من أسرة عُرفت باهتمامها بالفن.. فهي ابنة التشكيليّة الراحلة ليلى العطار وخالتها التشكيلية المعروفة سعاد العطار المقيمة في لندن، وجدتها أنيسة أغا عبد الرحيم التي مارست الرسم وعلمت وشجعت ابنتيها عليه. 

من هذا البيت الذي يزخر بألوان الحياة، تلفه وتحتوي أنفاسه أسرة لها باع وإنجازات في الفن التشكيلي العراقي بدأت زينب رحلتها في هذا العالم لتحقيق شغفها بتجسيد الحياة من خلاله، فكان دافعها حب هذه الحياة التي عاشتها في بيت تتشكل فيه المحبة والألوان بزهو عراقي تشم منه رائحة الرازقي.

تميل جريدان إلى المدرسة التعبيرية الوحشية  Fauvism and Expressionis  التي تتميز بحدة الألوان وقوتها وتألقها ومخالفتها للمدارس الأخرى في التوجه.

ومن أبرز روّاد هذه المدرسة الفرنسيان "فلامنك وماتيس". 

والمدرسة الوحشية يُلخص فيها الفنان مساحات الألوان المشرقة والصافية والحادة في علاقات لونيّة متآلفة ومتضاربة. 

وقد اعتادت جريدان أن ترسم ما تشعر به وتحسّه، فحسب رأيها أن الفن يعكس عاطفة، أو فكرة، وليس بالضرورة ما يشاهده الفنان.

كما أنها لا تنكر تأثرها بوالدتها التشكيلية ليلى العطار، وأختها المبدعة سعاد العطار التي تعتبرها مدرسة لونيّة بحد ذاتها، لكنها تمكنت من أن تتخلص من تأثير الأسرة وتخلق بصمتها الفنية الخاصة، مستفيدة من هذا التلاقح الفني في لوحاتها. 

ويستمر تأثرها واعجابها بأعمال فنانين عالميين مثل "گوستاف كلمت Gustav Klimt ، واوديلون رودون Odilon Redon ، وكذلك بيكاسو".

الفن لم يكن محطة عابرة عندها، بل كان نقطة انطلاق حياتية، فهو صوتها الذي يتجسد في أعمالها الفنية ورسالتها الإنسانية للعالم، هو طوق النجاة من قساوة العالم، واللحظة الحُلميَّة التي تعطيها كل شيء كالراحة والاطمئنان وصفاء الذات، بل تجد كل كينونتها أثناء الرسم والاندماج 

في الفكرة لتحلق في فضاء الألوان اللامتناهي.

وعن الغربة الوطن، تقول جريدان "تركنا بغداد لكن بغداد لم تتركنا، العراق يعيش في دمنا، وأمل العودة موجود دائماً، استطعت من خلال لوحاتي أن أجد وطناً بديلاً نوعاً ما، لكن من دون جدوى، الوطن يعيش في مساماتنا، أنام وأصحو على راحة الأهل الذين فقدتهم ورائحة القداح والرازقي والجوري والياس ومنظر النخيل والفرات، أشتاق لطعم التمر العراقي وحلاوة الدبس في فمي.

فالغربة موجعة وتُشعرك بالفقد والوحدة، العراق بالنسبة لي هو الأهل والناس والفرح والحزن معا". 

التنقل بين دول أجنبية وعربية أسهم في سعة الخيال واختمار التجربة لديها، ومنحها مساحات اشتغال فني جديدة من خلال الاطلاع على تجارب عالمية في الفن.

ورغم ذلك هي لم تنسلخ من عراقيتها شاهدها على ذلك استخدامها للون الأخضر والأزرق بقوة في أعمالها الفنية، فالأزرق يمثل دجلة والفرات والأخضر نخيل العراق.

وتستمر بالقول إنّ "النقد الفني لم يخدم أعمالي كثيرا وربما لم يكشف خباياها". 

طريقة الرسم لديها مختلفة لذلك قد تفسر أعمالها بالتشاؤمية أو المبهمة، لكن في الحقيقة هي تأملات عميقة لحياة امرأة أنهكها الحنين.

وأكثر ما يسعدها ان تقتنى لوحاتها من شخص ما، فهو دليل على شعوره بإحساسها الذي تسكبه في لوحاتها التي تجسّد كل ما مرت به من آلام وفرح، رسالتها في ذلك صدق تجسيد الإحساس في لوحاتها.

وعن رأيها في "السوشيال ميديا" تضيف، أن "وسائل التواصل الاجتماعي جعلت الفنان على تواصل مع جمهوره أينما كان، لأنّها ألغت دور الوسيط بين الفنان وجمهوره وجامعي الفنون.

وأتاح فرصة التسويق بشكل عالمي". 

ووفقاً لرأيها أن منصات التواصل الاجتماعي أعادت رسم خارطة الفن في العالم.

الجريدان التي شاركت في معارض فنية دولية كهونك كونج ولندن وباريس وبلدان عربية عديدة، تجد نفسها في الرسم الزيتي، كما أنها مُصممة للمجوهرات والملابس، وكأي فنانة أو فنان يدور في داخلها تساؤل مشروع، وهو أن الفن البصري وصل منذ سنين إلى تشبع، فلا توجد الآن مدارس فنية جديدة.

وبحسب رأيها أن من يسمون أنفسهم بالماستر، يرسمون ما حولهم ويطورونه إلى لغتهم الفنية الخاصة بهم، مثل ضربة الفرشاة المميزة أو استعمال لون ما بطريقة ما، أو روحية العمل الفني نفسه، فليس كل من رسم البورتريت تشبّه بدافنشي، وليس كل من رسم السريالية كان ينقل من بيكاسو، الحقيقة هي أن كل فنان يتأثر بما حوله أو بتأثيرات فنان آخر.

بهذا التساؤل والطرح تترك زينب جريدان فرشاتها على الباد الملون لجريدة الصباح.