الحوراء {ع} في استشهادها

منصة 2024/01/30
...

  ابراهيم هلال العبودي

ليس الرجال وحدهم من تشهد لهم الأحداث والمواقف، ولا وحدهم من تميزوا؛ فكانوا أعلاما يُشار إليهم بالبنان، وما كان الإسلام ذكوريا حتى يهمش دور النساء المتميزات، فيسدل الستار على اللواتي تَبوَّأْنَ مكانا عليا في مسيرة الحياة الإنسانية.
وقد جاد لنا التأريخ الإسلامي بامرأة أخرى، شغلت الناس بعظيم دورها وجميل صبرها، وقوة تحملها، وفصاحة لسانها، ألا وهي السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، سليلة بيت النبوة ومعدن الرسالة.
توفيت في الخامس عشر من شهر رجب مِن سنة 62 للهجرة. ولهذه السيدة دور بطولي وأساسي في ثورة كربلاء التي تعتبر من أهم الأحداث التي عصفت بالأمة الإسلامية بعد رسول الله، وكان دورها دور إعلامي. فأوضحت للعالم حقيقة الثورة، وأبعادها وأهدافها.
الحَوْرَاءُ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الملقبة بـزَيْنَبِ الكُبْرَى ثالث أولاد فاطمة الزهراء بنت الرسول محمد وعلي بن أبي طالب وكبرى بنتيهما والأخت الشقيقة للسبطين الحسن والحسين. ولهذا تُعتبر السيدة زينب، إحدى الشخصيات المهمة عند المسلمين. كما أن لها قُدسيَّة خاصة بسبب دورها في معركة كربلاء التي استشهد فيها أخوها الحسين بن علي بن أبي طالب، وعدد من أهل بيته. وهي معصومة بالعصمة الصغرى.
حسبك البيت الذي ولدت فيه، والحجور التي احتضنتها، فقد نشأت في بيت ولا كأي بيت، بيت علي وفاطمة عليهما السلام، الذي كان يتردد عليه رسول الله صلوات الله عليه وآله، لأربع سنين من عمر المولودة قبل أن يرحل إلى عالم الآخرة، فهي اذن قد ترعرعت في حجر ثلاث شخصيات عظيمة، محمد وعلي وفاطمة صلوات الله عليهم أجمعين، يحيطان بها أخواها الحسن والحسين عليهما السلام، ترى أي تربية قد تلقّت؟ ومن أي معين نهلت؟ والى أيَّة مكانة ارتقت؟  

أم المصائب
لقبت السيدة زينب الكبرى عليها السلام بألقاب عدة، منها الحوراء والعقيلة والعالمة وبطلة كربلاء، ولكن ثمة لقب طغى على كل الألقاب، ألا وهو "أم المصائب"، وسبب ذلك أنها عاشت مصائب الأسرة الهاشمية والعلوية جميعها وبكل تفاصيلها، بدءً بوفاة جدها رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، وكانت يومها ذات أربع سنين، ومصيبتها في أمها فاطمة الزهراء عليها السلام وما لاقته من ظلم وعدوان، وشهادة أبيها علي بن أبي طالب عليه السلام، كما شهدت استشهاد أخيها الإمام الحسن بن علي عليه السلام بالسم على يد زوجته جعدة بنت الأشعث بتوجيه من معاوية بن أبي سفيان، ثم المصيبة الكبرى التي هزت حياتها ومشاعرها هزة عنيفة، ألا وهي مصيبة أخيها الحسين بن علي عليهما السلام، واستشهاده في كربلاء، ثم سبيها وأفراد البيت العلوي، بنسائه وأطفاله ..
ولم تمكث العقيلة بعد كارثة كربلاء إلاّ زمناً قليلاً، حتى تناهبت الأمراض جسمها، وصارت شبحاً لا تقوى حتى على الكلام، ولازمت الفراش وهي تعاني آلام المرض، وما هو أشق منه وهو ما جرى عليها من الرزايا، وكانت ماثلة أمامها حتى الساعات الأخيرة من حياتها.. وقد وافتها المنية ولسانها يلهج بذكر الله وتلاوة كتابه. وقد صعدت روحها الطاهرة إلى السماء كأسمى روح صعدت إلى الله تحفها ملائكة الرحمن، وتستقبلها أنبياء الله وهي ترفع إلى الله شكواها، وما لاقته من المحن والخطوب التي لم تجر على أي إنسان منذ خلق الله الأرض. انتقلت العقيلة إلى جوار الله تعالى على أرجح الأقوال يوم الأحد لأربع عشرة مضين من شهر رجب سنة 62 هجرية، وقد آن لقلبها الذي مزقته الكوارث أن يسكن ولجسمها المعذب أن يستريح.