السيدة زينب.. تأكيد دور المرأة في حركات النهضة

منصة 2024/01/30
...

 عادل الصويري

من الطبيعي أن تتخذ كل حركة نهضوية غايتها الإصلاح مسارات عدة لتأكيد القصدية وإضفاء المشروعية عليها، وبقراءة تحليلية لأحداث ملحمة الطف في كربلاء تتبين لنا المسارات العديدة والوسائل التوصيلية التي جعلتها حية نابضة بعد أكثر من 1385 سنة.
فالمتبحر في نهضة الإمام الحسين صلوات الله عليه يجد نفسه بين عوالم كثيرة وثيمات متعددة تمثلت بالخلق الرفيع والمواقف النبيلة حتى مع الأعداء والمحافظة على حقوق الإنسان وحرية اختيار الرأي فضلاً عن صلابة الموقف والتمسك بالمبادئ، التي نشأ عليها والامتثال للإرادة الإلهية التي شاءت أن تراه قتيلاً مضرجاً بدمائه الشريفة، كما شاءت أن ترى نساءه وأطفاله سبايا.
 لقد انتجت لنا كربلاء ثنائية (الحسين- زينب) عليهما السلام، ويمكن لنا ان نقرأ هذه الثنائية التي لم تأت وليدة الصدفة بل بتخطيط مبرمج اشتغل عليه أمير المؤمنين صلوات الله عليه ودور هذا الثنائي العظيم في إحقاق الحق والقبول بالتحديات التي أثمرت خلوداً راسخاً في عقول وقلوب المحبين من شتى المذاهب والأديان والأعراق.
ولن نجد صعوبة في تفسير المواقف التي تسلسلت لتتكامل بصورة عجزت الأقلام عن وصفها والألوان عن رسمها، فهما -عليهما السلام- ذرية الإيمان المطلق الناشئة في حجر النبوة والرسالة، وقد نهلا من عبادة وسلوك أمهما وفصاحة وبلاغة أبيهما صلوات الله عليهم أجمعين ما جعلهما يشيدان بناء معمارياً سلمت الفؤوس الحاقدة عبر الدهور بأنها لن تستطيع النيل من هذا الصرح ومن علوه الذي يتألق ويتسامى. هذه الثنائية تمثل مدرسة الولاء الحقيقي للنهج المحمدي الذي رسم للأمة ملامح تكاملها، وكان من الضروري ان يستمر هذا التكامل الإنساني والحضاري حتى وإن كان ثمنه التضحيات الكبيرة (ما كان لله ينمو)، فقدم الحسين ثقافة التضحية والفداء وقدمت زينب ثقافة الصبر على الشدائد والمحن لتكمل بعدها المسيرة بعد استشهاد أخيها عليه السلام وهي مهمة ليست باليسيرة بالقياسات الاعتيادية، ففي اللحظات الأولى بعد فقد اخوتها بدأت دورها الذي تمثل بغرس حالة الغضب والنقمة على المجرمين القتلة وفضح المشروع الأموي وامتداداته التي خططت للقضاء على المفاهيم المحمدية الأصيلة عبر مسارات ليس لها إلا لبوة علي بن أبي طالب التي هدرت بكل ما اوتيت من بلاغة وفصاحة بكلمات قلبت سحر ابن زياد عليه حينما قالت: (الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد، وطهرنا من الرجس تطهيرا، إنما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر)، لتجعل من الكوفة طقساً بكائياً نادماً جازعاً لما حدث لسبط النبي.
كما كان للجانب التربوي مسار واضح، خصوصاً مع أصعب اللحظات التي واجهتها حين قام الأعداء بحرق الخيام وترويع الأطفال لتأخذ دورها التربوي العظيم في معايشة هذه الظروف القاهرة غير مكترثة بالأساليب الاستفزازية وغير الإنسانية خصوصاً مع الحالة المرضية التي ألمت بالإمام السجاد عليه السلام الذي كادت أن تطاله يد الغدر لولا تدخل العناية الإلهية التي جعلت من العقيلة زينب عليها السلام سبباً لإنقاذ حياته وبالتالي الحفاظ على خط الإمامة واستمرار دوره وهذا نفس الدور الذي قامت به الزهراء عليه السلام في خطبتها الكبيرة لتبيان أهمية هذا الخط الذي رسمه خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وبتوجيه السماء وانقلب عليه المنقلبون.
فأي تربية للأجيال أعظم من جلوسها عند جسد أخيها الشهيد وترفع جسده الشريف وتخاطب الله تعالى وبكل رباطة جأش: (إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى).
ومع كل هذه الأحداث لم تنس أنها امرأة، فبعد أحداث كربلاء أكدت أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في كافة المجالات شريطة إيمانها بنفسها وقدراتها، والأهم إيمانها بالقضية التي تتبناها.