ميادة سفر
ما زالت المرأة تواجه ردود فعل قاسية في الكتابة، ويبدو أنّ الإرث الذكوري باق في عقلية الكثيرين الذين وجدوا أنّ المرأة غير مؤهلة وغير صالحة للكتابة الإبداعية، وإن هي حصلت على جوائز فذلك لأنها كتبت بحس ومن منظور ذكوري، لذلك يغدو تحرر المرأة من هذا الموروث أمراً صعباً لا سيما في ظل قوانين مجتمعية تفرض عليهن التقيد بتعاليم وألفاظ وعبارات محددة بدقة، ومن هنا كان حضور المرأة الشاعرة وتمردها لغوياً وإبداعياً على المألوف جديراً بأن يشار إليه، وهو ما حاولت الشاعرة السورية رولا حسن القيام به بالتعاون من موقع الأيقونات السوريات الذي يديره الفنان أحمد إسكندر، من خلال كتابها "الموجة الجديدة في الشعر السوري" نص طازج وحساسية مختلفة الصادر حديثاً عن دار كنعان في
دمشق.
كان لافتاً أنّ عدداً من الشاعرات اللواتي ورد ذكرهن لم يصدرن بعد أي ديوان شعري، واكتفت مشاركتهن على بعض القصائد، وتلك مغامرة تحسب للكاتبة وهي تشير إلى أصوات غير معروفة في المشهد الثقافي السوري، بما هي محاولة لتسليط الضوء وربما إعطاء فرصة لأصوات ماتزال بعيدة عن جمهور الشعر، والإشارة إلى بعض الأقلام الأنثوية في مجال الشعر الذي يعاني من تراجع الاهتمام، في ظل سطوة التفاهة والوجبات السريعة التي روجتها مواقع التواصل الاجتماعي، حتى بات الاستسهال والاستخفاف بالقارئ سيمة لهذا العصر، من هنا يأتي كتاب "الموجة الجديدة في الشعر السوري" ليعيد الشعر إلى منزلته وبأقلام نسائية جميلة استحقت أن يشار إليها.
من الشاعرات اللواتي فاض بهن الكتاب الذي بين أيدينا تبرز عبير نصر كواحدة من أكثر الشاعرات تمرداً على اللغة والمألوف، وعنها تقول رولا حسن بأنها "تملك القدرة على كسر المألوف، والتحرر من الممنوعات والمحرمات"، تمكنت عبير نصر من إثارة الدهشة والمتعة لدى قرائها في المجموعتين الشعريتين اللتين أصدرتهما، فتارة من خلال العنوان المثير واللافت لكل منهما والخارج عن مألوف اللغة للمرأة، خاصة في مجتمعات ما زالت تمارس سلطتها حتى على الكلام، فمن ديوان "محض غواية" إلى "كما لو كانت قبلة" قدمت الشاعرة التي درست الهندسة الزراعية نصاً شهياً للقارئ، وهي
التي قالت: "لا يعول على حب يمنّي القلوب بلذة، ويحبس عن الشفاه ترياق القبل...". وتحضر الشاعرة مناهل السهوي في موجة الشاعرات السوريات الجديدة، وهي التي "تكتب نصاً طازجاً، برياً، متفلتاً ومتمرداً على منجزه الأسبق"، تقول: "أليست الحماقات مجداً لامرأة وحيدة! أليست آثار أقدام المواشي هي ما يثير غريزة الذئاب في البقاء!"، وعن تجربتها تكتب رولا حسن: "تعمل مناهل في أغلب قصائدها على تشكيل مشهد شعري عبر اكتشاف الشعر في أماكن لا شعرية، حيث تحول القصيدة إلى نتف بسيطة ومجموعة من اللقطات الحاذقة والذكية".
تبدو التجربة الشعرية لكل من
الشاعرات اللواتي ضمنتها الشاعرة رولا حسن في هذا الكتاب مختلفة عن غيرها، وإن حضرت المرأة في أغلبها محاولة رفع الصوت الذي أرادوه خافتاً، ليخبرننا أنّ الأنوثة ليست قالباً ولا شكلاً ولا فكرة إلا ما أردنا ورغبنا، فكانت المرأة حاضرة وكان الحزن والحرب التي أكلت من قلبوهن، فقدمن نصاً جميلاً وجديراً بأن يقرأ ويسمع وينتشر.