نافع الناجي
في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بتفاقم أزمة التلوث البيئي ومحاولات الحد منها، تشير التقارير الدولية إلى أن العراق من بين الدول العشر الأكثر تضرراً في العالم، نتيجة تعرض بيئته لملوثات عديدة ومتنوعة من بينها مشكلة تدوير النفايات التي يبدو أنها باتت عصية على الحل، لا سيما بعد توقف مشروعي معملين لتدوير النفايات أحدهما في الكرخ والثاني في الرصافة، تابعين لأمانة بغداد منذ العام 2009.
معدلات تلوث عاليَّة
ومع استمرار عمليات حرق النفايات داخل حدود البلديات وعلى مقربة من المناطق السكنية، تتنامى معدلات التلوث البيئي والأضرار الصحية التي تهدد حياة وسلامة المواطنين والنباتات والكائنات الحية، فيما تؤكد وزارة البيئة عدم وجود مواقع أصولية حاصلة على موافقات بيئية للطمر الصحي في بغداد، وأن أغلب المواقع الموجودة عبارة عن مكبات وأماكن لتجميع النفايات وتفتقر إلى المعايير والشروط المحددة من ناحية ابتعادها عن الأماكن السكنية والاستغلال الأمثل للنفايات.
شيوع ظاهرة (النبّاشة)
يعدُّ البحث والتنقيب في تلال النفايات والمطامر الصحية، المصدر الوحيد لدخل أبو يوسف وعائلته، وللمئات مثله ممن صاروا يعرفون بـ (النبّاشة).. فتراهم يغوصون بينها بحثاً عن علب البلاستيك والألمنيوم والورق والكرتون، لبيعها وتوفير قوت أسرهم.
ولدى سؤالنا لأبي يوسف عن سبب اختياره لهذه المهنة المرهقة والخطرة، أجاب انه من اللا جدوى، وعدم حصوله على أي مهنة أو وظيفة أو مصدر رزقٍ آخر، حسب تعبيره.
متطلبات الحياة
ماذا يمكنكم أن تشتروا بالعائد من هذه المهنة يا ترى؟.. سؤال وجهته لإحدى الفتيات المنهمكات بفرز النفايات والتنقيب فيها عن الزجاج وعلب الكولا والكرتون، قالت بخجلٍ شديد: نشتري "شاي، سكر، رز، فاصوليا، عدس.. الخ". وأضافت، مهما اشترينا لن نلحق على متطلبات الحياة الكثيرة.
زميلها برهان، قال أسوأ كوابيسنا هي المرض، فكشفية أي طبيب لن تقل عن عشرين ألف دينار، ناهيكم عن التحليلات والأدوية وغير ذلك من المتطلبات!.
ولكن السؤال لماذا يتجه هؤلاء الشباب والكهول لمواقع الطمر الصحي وأماكن تجميع النفايات والعمل فيها، وأين هي الإجراءات الحكومية التي كفلت العيش الكريم لعموم شرائح المجتمع؟
صندوق التنمية الاجتماعيَّة
إزاء هذا الواقع تؤكد وزارة التخطيط مضيها بإنشاء صندوق اجتماعي للتنمية، يتم من خلاله توفير المتطلبات الصحية والتعليمية للقرى النائية والأرياف الأكثر فقراً، فضلا عن تقديم مساعدات غذائية لمعدومي الدخل.
وقال المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي "هنالك جهود كبيرة تقوم بها الحكومة من خلال وزارة التجارة بتوفير السلة الغذائية بشكلٍ عام للعراقيين وبشكل خاص للأسر الفقيرة، وبالتالي أسهمت باستقرار الأسعار في السوق المحلية، وهناك تحسن واضح في النوعيات المعتمدة".
ويشير الهنداوي إلى أن "هذه الإجراءات أسهمت بتحقيق حالة من الأمن الغذائي للأسرة في العراق، وكان لذلك تأثير كبير في أن يحافظ التضخم على معدلاته بشكل منطقي".
آلاف أطنان النفايات
وبالعودة إلى المشكلة ذاتها، يشكّل حجم النفايات الكبير في بغداد والمحافظات الأخرى، مشكلة بيئية وصحية في ظل غياب معامل التدوير التي يمكنها أن تستثمر تلك الكميات للاستفادة منها في مجالات صناعية وزراعية، فالعاصمة بغداد وحدها ذات الكثافة السكانية العالية تخلف آلاف الأطنان من النفايات ولا طاقة استيعابية لها، سوى معمل واحد للتدوير ولا يمكنه أيضاً استيعاب تلك الكميات.
عادل علي مدير معمل فرز وتدوير النفايات في المحمودية يقول "معمل تدوير النفايات من المعامل المهمة والوحيدة على مستوى بغداد وأطرافها"، مضيفاً "إنشاء هكذا معامل له مردود اقتصادي كبير حيث يمكن الاستفادة من الغازات المنبعثة من النفايات في توليد الطاقة الكهربائية وكذلك بيع المواد المفرزة، فضلاً عن المردود البيئي المهم".
فوائد ومردودات كثيرة
المهندس الزراعي علي حسين فرحان قال: "بلا شك فإن إنشاء هذه المعامل له جدوى كبيرة، ومنها تخليص البيئة من المخلفات الضارة وتحسين الحركة الاقتصادية وتوفير منتجات ومواد أولية داخلة في مختلف المنتجات الصناعية وغيرها، فضلاً عن المواد العضوية الداخلة في استصلاح الأراضي الزراعية".
ورغم امتلاك العراق لكميات هائلة من النفايات إلا انه لا يمتلك إلا معملا واحدا في أطراف بغداد، فضلاً عن معملٍ مماثل في السليمانية، مما يقلل الجدوى الاقتصادية والبيئية بهذا الشأن، خاصة مع إستمرار المطالبات بإنشاء هكذا معامل في بغداد وبقية المحافظات.
إحصاءات
تشير الإحصائيات إلى أن العراق ينتج ما يقرب من ثلاثين طناً من النفايات الصلبة يوميا منها نحو 10 آلاف طن في حدود أمانة بغداد، وأن أكثر من 62 بالمئة من هذه النفايات عضوية ويمكن الاستفادة منها بإنتاج الطاقة النظيفة وتدويرها لإنتاج مواد متنوعة مثل الكارتون والورق والمعادن المختلفة وغيرها، ليكون استثمارها مورداً اقتصادياً وسبباً في تشغيل الكثير من الأيدي العاملة، بدلاً من تنامي معدلات البطالة، فضلاً عن إنتاج الطاقة الكهربائية التي استنزفت موازنات البلد منذ 2003.
عروضٌ استثماريَّة
لكن وعلى الرغم من جميع هذه المميزات، لا يزال العراق والعاصمة بغداد تحديداً تفتقر إلى مشاريع حقيقية لتدوير النفايات بصورة مثالية، بالرغم من تلقي عروض استثمارية سابقة من شركات أجنبية عديدة لمعالجة ملف النفايات، من خلال إنشاء محطات أنموذجية لتدويرها واستغلالها في إنتاج الطاقة والتخلص من مخاطرها البيئية والصحية، وبالتالي وبحسب مراقبين فهناك حالة عدم جدية من توجهات الدوائر البلدية وأمانة بغداد خصوصا، تحول دون إنشاء هذه المشاريع واستمرار الممارسات العشوائية في التعامل مع ملف النفايات، والتي تكلف العراق في نهاية المطاف ثمناً باهظاً، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالتزاماته الدولية، إضافة إلى تلوث التربة والمياه وانتشار مختلف الأوبئة والأمراض.