عيد الحب في لبنان وفلسطين

منصة 2024/02/14
...

 غفران حداد 

بيروت المهددة دائماً بالحروب ولم تعرف الهدوء في حياتها، ما تزال تمسك بالحياة رغم الظروف الاقتصادية التي عصفت بيومياتها منذ ثورة تشرين الأول/ اكتوبر 2019 ولغاية الآن، هي مصرة في كل صباح على أن تشرب قهوتها برفقة أغاني فيروز التي تصدح عبر أثير اذاعات المنازل والسيارات.. مصرة أيضا مع شروق الشمس على ألا تخرج إلى محبيها إلا وهي بكامل أناقتها وتصفف شعرها، مكحلة عينيها بدعاء محبيها في أن تبقى شامخة وست الدنيا وشاغلة الناس.

في هذه الأيام ومع حلول عيد الحب ملأت الأزهار الملونة المحال المعنيّة ببيعها، وحرص كل عاشق أن يهدي لحبيبته الورد.. من الطبيعي -في عيد الحب من هذا العام- أن يكون مزاج بيروت متعكراً ليس بسبب المنخفضات الجوية التي ترافق أجواءها، ولكن لأنه محملاً بالرعود السياسيّة والبروق الحربيّة التي تهدد عرش ملكة لم تنحن يوما لهم، أعداؤها يريدون عودتها لعصور الجاهلية، وتنام تحت الردم وتسقط تحت صخور الروشة، ذليلة، مكسورة.. يا ست الدنيا يا بيروت جمالُكِ يؤذيهم وأنتِ تهدين الأشرار الورود مقابل القذائف..

 بيروت في عيد الحب ما زالت تلون محالها باللون الأحمر، ولم يغب مشهد الدببة الحمراء المعلقة على مداخل واجهات المكتبات ومحال بيع الهدايا على الرغم من الأزمات الاقتصادية المتتالية التي فرضت ألوانها المثقلة بالهموم، لكن الحفلات ما زالت حاضرة في المطاعم وهي تستعد لاحتواء العشاق في عيدهم، فالثورات والأزمات لم تخفف من وهج الحب في قلب بيروت رغم أن القلة والفقر أثرا فيه وغيرا في اساليب التعبير عنه، وخاصة مع 

تراجع قيمة الليرة اللبنانية مقابل غلاء العملة الخضراء، إذ استغل أصحاب متاجر الملابس ومحال الزهور والعطور ومتاجر المجوهرات هذه المناسبة لزيادة الربح على حساب جيوب العشاق الفقراء.

عيد الحب في بيروت هذا العام يأتي محملاً بالجراح والحزن.. فكيف يبحث اللبنانيون عن الوردة أو ثياب باللون الأحمر، وفلسطين تغرق بدمائها منذ عشرات السنين وتعمقت جراحها أكثر منذ طوفان الأقصى في تشرين الاول للعام الماضي، يؤكد الجميع هنا، أنه لا شيء يستحق الحب مثل فلسطين. 

في عيد الحب هذا العام أصبحت قلوبنا لا تتعلق بالمحبة إلا لأهلنا في غزة وخان يونس وفي كل شبر من أراضيها، البعض يتساءل كيف لنا أن نحتفل؟، والناس يموتون من شظايا القصف ولا شيء يحميهم من البرد والجوع وهم ينامون في خيام لا تقاوم المطر وهمجيّة الحرب؟، ولكن على الرغم من كل ما يعانيه لبنان وفلسطين من ظروف سياسية وأمنية واقتصادية صعبة، تبقى للحب مساحة، فمنه نتعلم الاستمرار والصمود وبه تغدو الحياة أجمل، سنهدي من نحب القرنفل الأحمر بمناسبة عيد الحب ونحن نحلم بمستقبل أفضل، نحلم أن لا يعود فيه اللون الأحمر رمزاً للقتل والدم. 

اليوم وفي كل مكان وزمان نحتاج لتجديد الحب.. نعم، نحن بحاجة لتبادل الحنان لنستعيد الطمأنينة والأمان، نحلم ونتمنى أن يتغير لون الدم الأحمر الذي يسيل في حرب غزة وجنوب لبنان بلون الوردة الأحمر، كرمز للأمل والتفاؤل رغم سقوط الشهداء وتدمير 

المنازل، سنشتري الزهور هذا العام ونهديها لمن نحب لكي نعبر عن تفاؤلنا في الحياة ولتجديد الروابط بين المحبين والأهل. 

جميعنا بحاجة لشعور بالحب والسلام على الرغم أن الاحتفال في هذه الأيام اتخذ طابعا أكثر كآبة، حيث انفصل العديد من الاشخاص عن احبائهم بسبب الحرب، وهنالك العديد من ابناء فلسطين وفي جنوب لبنان يقاتلون في الخطوط الأمامية وهم صامدون أمام الغارات الجوية والصواريخ وغيرها من المصاعب التي تزداد يوماً بعد يوم، لكن لا يزال الناس يجدون طرقا للاحتفال بعيد الحب واظهار حبهم وعاطفتهم لبعضهم البعض رغم المآسي التي يعيشها المواطن اللبناني والفلسطيني بعد امتلاكه أبسط مقومات الحياة، لكنه يصر على الاحتفال كل عام في عيد الحب، يوم القديس فالنتاين الذي هو بمثابة تذكير بأنه حتى في احلك الأوقات لا يزال من الممكن العثور على الحب والأمل والتعبير عنهما بهدايا وكلمات رومانسية لتمنحنا طاقات ايجابية تجعلنا نقاوم مرارة الأيام.