فالنتاين.. نحن أهل الحبّ من زمن جلجامش

منصة 2024/02/15
...

في 14 شباط من كل عام، يحتفل المسيحيون بما يسمونه عيد الحب أو عيد العشاق أو يوم القديس فالنتاين، يحرصُ فيه كل حبيبٍ وحبيبة على إهداء شريكه هديَّة امتنانًا منه على وجوده ومشاركته حياته ومشاعره العاطفيَّة، ثم شاعَ ليصبح ظاهرة عالميَّة يحتفل بها العراقيون
جميعاً.
والمفارقة، أنَّ قصة فالنتاين ما كانت لها علاقة بالحب العاطفي، فأصل الواقعة أنَّ الإمبراطور الروماني كلوديوس الثاني، أصدر قانوناً يمنعُ الرجال في سنّ الشباب من الزواج بهدف زيادة عدد أفراد جيشه لاعتقاده أنَّ الرجال المتزوجين ليسوا كفوئين.
وتذكر «الأسطورة الذهبيَّة» التي أوردت القصة، أنَّ القديس أو الأسقف فالنتاين الذي عاش في روما خلال القرن الثالث الميلادي في فترة الاضطهاد الديني للمسيحيَّة، قام بإتمام مراسيم الزواج للشباب في الخفاء. وحين اكتشف الإمبراطور ذلك أمرَ بإلقاء القبض عليه وأودعه السجن.
وتناقلت الروايات أنَّ فالنتاين قام بكتابة أول «بطاقة حب» بنفسه في الليلة التي سبقت تنفيذ حكم الإعدام فيه أهداها الى حبيبة افتراضيَّة موقعاً إياها باسم «من المخلص فالنتاين».
تلك هي الواقعة، لا كما هو شائعٌ عند الشباب أنَّها بين اثنين من العشاق.

العراق.. منبت الحب
ليس انحيازاً إنْ قلت إنَّه لا يوجد شعبٌ في العالم موصوفٌ بالحب كالشعب العراقي، دليل ذلك أنَّ أول آلة قيثارة وأول عودٍ وأول نصٍ غنائي، كانت من صنع السومريين؛ ما يعني أنَّ أجدادنا السومريين هم أول من عزفت أوتار قلوبهم للحب وغنت له، وأننا ورثناه منهم، وسكن قلوبنا حتى في ساحة الحرب الذي خفق فيها قلب مجنون ليلى لحظة رأى الرماح فأنشد قائلاً:
فَوَدَدتُ تَقبيلَ السُيوفِ لأَنَّها .... لَمَعَت كَبارِقِ ثَغرِكِ المُتَبَسِّمِ
وورثناه أيضاً عن جميل بثينة الذي ما أحب سواها وحفظ سرها:
لا لا أبوح بحب بَثْنَةَ إنها ...... أخذت عليَّ مواثقاً وعهودا
وعن الوسيم الرومانسي عمر ابن ربيعة الذي له قلبٌ يسعُ من الحبيبات ما لا تسعه سيارة «كوستر»:
قالَتِ الكُبرى أَتَعرِفنَ الفَتى ... قالَتِ الوُسطى نَعَم هَذا عُمَر
قالَتِ الصُغرى وَقَد تَيَّمتُها ... قَد عَرَفناهُ وَهَل يَخفى القَمَر
وبيننا من هم غرائزيون على طريقة رؤبة بن العجاج:
واها ً لسلمى ثم واهاً واها .... يا ليت عيناها لنا وفاها
ورقيقون شفافون مثل أبي صخر الهذلي:
وإنّي لتعروني لذكراك هزّة ... كما انتفض العصفور بلّله القطر

بلد الشعر
وشاهدٌ قديمٌ معاصرٌ إنَّ العراق بلدُ الشعر، وإنَّ قلوب الشعراء لا تنظم الشعر إلا حين تكون مسكونة بالحب، بينما العشق عند العراقيين جنون، وإنَّهم أهل طرب وكيف من صغيرهم الى كبيرهم.
شاهدُ ذلك أنَّ (ناصر الاشكر.. الأشقر) الذي سُميت مدينة الناصريَّة باسمه، كان يعقد في الأماسي جلسات طرب، ويقول لمن يدخل مجلسه (لو تون لو ترتاح لو تلزم الباب).
لقد صار يقيناً أنَّ العراقيين موصوفون بالحب من زمن جلجامش، وما يجعلك تفرح، تغني، تثق، بأنهم صنّاع حياة، أنَّك تراهم يتفننون في التعبير عن (يوم الحب)، فهم طرزوا شوارع بغداد وزينوا متنزه الزوراء (في السنة الصعبة 2018، بتشكيلة فنيَّة من سبعة قلوب كبيرة محاطة بورودٍ حمراء، وظل العراقيون كعادتهم يتبادلون في عيد الحب: دارميات جميلة، بوسات عراقيَّة، بطاقات ملونة، هدايا للزوجة، للأم، للحبيبة، دبدبوب أبيض وأحمر، ورود حمراء، ارتداء ملابس حمراء مزركشة، تزيين المحال ببالونات ملونة، معجنات بقلوب حمراء عليها أجمل الكلمات (أحبك)، والأروع أنَّك لو دخلت قلوبهم لوجدتها باقة ورود ملونة، مكتوباً عليها بالأحمر: نحبك.. يا عراق.
ولهذا نقترح على المؤرخين، عبر جريدة الصباح، تحديد يومٍ سنوي للحب خاصٍ بالعراقيين بعنوان (من زمن جلجامش.. نحبك يا عراق).