بدور العامري
كانت تتحدث وتسبقها الدموع بالانهمار {لم أعد أتحمل تلك الأعباء التي أنهكتني منذ أكثر من تسع سنوات، حتى وصل الأمر بأبنائي ليتهموني بحرمانهم من عيش الحياة الطبيعيَّة، بسبب اهتمامي بأخيهم المريض محمد أغلب الأوقات وتفضيله عليهم بحسب قولهم}، بهذه الكلمات كانت تتحدث أم نور عن معاناتها مع الضغوط النفسية والمادية التي استفحلت عليها نتيجة إصابة ولدها محمد بأحد الأمراض العصبيَّة المزمنة.
تأثيرات واحتياجات
حال أم محمد لا يختلف عن عشرات آلاف من ذوي الأطفال المصابين بالأمراض المزمنة أو الإعاقة المستمرة، إذ تفتقد مجتمعات دول العالم الثالث ومن بينها العراق إلى وجود المؤسسات والمراكز الطبيَّة والتأهيل المتطورة، التي من شأنها القيام بأغلب المهام وتقديم الخدمات للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبحسب المختصة في علم النفس التربوي في الجامعة المستنصريَّة الدكتورة إيمان يونس إبراهيم، "تضطلع الأسرة في هذه الدول بالدور الأساسي والأكبر في تربية وتعليم ومحاولة دمج الأطفال المصابين بهذه الامراض، ومن ثم هم عرضة للعديد من المعوقات والصعوبات"، وبحسب دراسة استبانة أعدتها الدكتورة إيمان تبيّن "أنَّ هناك تأثيرات تنعكس على الأسر التي لديها طفل مريض أو إعاقة معينة، إذ تتخذ عدة أوجه منها ما يتعلق بالجانب الاقتصادي والنفسي والاجتماعي وغيرها، إذ يتسبب العلاج والرعاية الطبية المستمرة للطفل في أعباء مالية إضافية على الأسرة، أما من الناحية النفسية والضغط العاطفي فيتمثل بشعور أفراد الأسرة بالقلق والضغط النفسي بسبب الحالة الصحيَّة المزمنة للطفل، مما يؤثر في جودة حياتهم اليوميَّة وعلاقاتهم الأسريَّة، ومن ثم دفع الأسرة إلى التغيرات في نمط حياتهم لمواكبة احتياجات الطفل المريض، وأضافت إبراهيم في ما يخص الصعوبات التي يعاني منها ذوو الطفل المريض "يمكن أن يعاني أفراد الأسرة من الإجهاد والارهاق الناتج عن الاهتمام الكبير للطفل المصاب بالأمراض، خاصة تلك التي تحتاج إلى فترات طويلة ومعقدة للعلاج، فضلاً عن التأثير الاجتماعي على الطفل المريض، إذ يتمثل بالانعزال وصعوبة التفاعل مع الآخرين، مما يؤثر على العلاقات الاجتماعية له ولأفراد أسرته".
تنمُّر
لا يتوقف التأثير السلبي والانعكاسات النفسيَّة على أفراد أسرة الطفل المريض إنما يمتد على الأطفال أنفسهم، إذ يؤدي المرض وتبعاته من دخول المستشفى وغياب المريض إلى حرمان الطفل من فرص اللعب مع الأطفال الآخرين، وتشير الدراسات النفسيَّة في هذا المجال، أن بتعرضه للرفض أو السخرية والتنمّر من قبل باقي الأطفال، نتيجة الاختلافات البدنية التي خلفها المرض على جسد الطفل المريض أو المعاق، لذلك نجد أغلب الطفال المرضى يشعرون بالخجل من التغيير الذي يصيب أجسادهم بعد الإصابة بالمرض، خاصة اذا كانت التغييرات حصلت في عمر الطفولة أو المراهقة ولم تكن موجودة منذ الولادة، لذلك يشكو أولياء أمور الأطفال في عمر المدرسة من صعوبة التحاق أطفالهم بالمدرسة وتكوين علاقات مستقلة، فيما يجد المرضى المراهقون صعوبة في ممارسة حياتهم بصورة طبيعيَّة، بسبب حاجتهم المتكررة إلى الآباء
في تلبية الكثير من احتياجاتهم اليوميَّة، وبذلك تلاحقهم نظرات الآخرين على اعتبارهم يختلفون عن أقرانهم.
توعية ودعم
ويعتقد الخبير النفسي ومدير الجمعية العراقية للتوحّد، فارس مهدي حسين أنّ مستوى الثقافة والوعي لذوي الطفل المريض يشكل أهمية كبيرة وعلامة فارقة في مدى تحسّن الطفل وتماثله للتعافي أو التعامل بطريقة صحيحة مع المرض على أقل تقدير، وهذا ما تلمسه من خلال عمله في مركز التأهيل لذوي التوحد وبطء التعلم، إذ يقول: "لقد أسهم الدور الفعّال لبعض الأسر بتحقيق نتائج متميزة في فترات قياسية لأبنائهم في ما يخص العلاج والتأهيل، عن طريق التشخيص المبكر والتنسيق والتعاون الكبير مع المدربين والمعلمين، مبيناً أن المركز يقوم بأعداد خطط فرديَّة للتأهيل والتعامل مع كل حالة على حدة، علما أن الخطة تطبق على الطفل بعد شهر من تشخيص حالته وتسجيل ملاحظات المدربين وأولياء الأمور، وتابع حسين "أنَّ وجود طفل ذي اضطراب توحّد في الأسرة يفرض عليها حاجات وقيوداً كثيرة ومتعددة من أجل مساعدته وتنمية قدراته وامكاناته بالشكل المناسب، وحتى يتحقق هذا الامر، لا بدَّ من أن يكون للأسرة دور فاعل وكبير لتحقيق احتياجات طفلهم".
ويمكن تلخيص الأمور الواجب توفيرها للطفل المريض وأسرته متمثلة، بتقديم الرعاية الطبية والمتابعة المستمرة من قبل ملاكات صحيَّة متخصصة، وتقديم الدعم النفسي والارشادي وتوفير المعلومات الكافية بشأن مرض الطفل وتثقيف أفراد أسرته على التعامل مع هذا المرض، كذلك العمل على توفير المساعدات المالية للفئات المحتاجة عن طريق توفير العلاج بشكل مجاني فضلاً عن المساهمة بتوفير العلاج الغذائي وتوفير جميع المستلزمات الضرورية للأمراض المزمنة، كذلك توفير الخدمات التعليميَّة بما يتناسب مع قدرات الطفل المريض ويضمن حقه في التعليم والدمج الاجتماعي، ويتم ذلك عن طريق فريق متكامل يتضمن أخصائيين ومعالجين نفسيين وباحثين في مجال التربية والتعليم
والاجتماع.