من الطبيعي جداً أنَّك تفكر في ما تريد أنْ تقومَ به أو تخططَ له، لكنْ غير العادي أنْ يدخلَ الإنسان في متاهة التفكير المفرط ويصل الى حالة (إدمان التفكير).
ولنبدأ معك، عزيزي القارئ، بتوضيح معنى التفكير المفرط، فنوجزه بأنَّه (انشغال العقل بالتفكير بطريقة مبالغٍ فيها في أمرٍ أو عدة أمور لمدة طويلة من الوقت)، وله نوعان:
1 - ويكون مؤقتاً لوجود قرارٍ مهمٍ أو مشكلة تحتاج حلاّ، وهذا النوع يمرُّ به أغلب الناس، كقرار العمل أو الزواج أو اختيار التخصص.
2 - وغير الطبيعي: ويقصد به التفكير في عدة أمور، مثل استرجاع أحداثٍ ماضية وتحليلها وتأنيب الذات حولها والندم أو القلق من المستقبل وما سيحدث فيه.
ولهذا النوع من التفكير أعراضٌ، أكثرها إزعاجا هي مشكلات النوم، إذ يردد الغالبيَّة: جسدي نائم لكنْ أحسُّ أنَّ عقلي لا يهدأ، والندم والتأنيب المستمران لمواقف ماضية محرجة، وعدم الاستمتاع بأي عملٍ أو مناسبة، وذلك للانشغال التام للعقل (حاضر بجسده غائب بعقله) والإحساس بالقلق والخوف الدائمين.
وأكيد أنَّك تسأل عن أسباب هذا التفكير الزائد، فنجيبك بأنَّه يتعلقُ إما بنوع الشخصيَّة، فكلما كانت شخصيَّة الفرد تحليليَّة أو حساسة، كانت أكثر عرضة للتفكير الزائد، أو الصدمات السابقة التي تعرض لها الفرد ومحاسبة نفسه ولومها والإكثار من (لماذا وليش)، أو أنَّك تضع توقعات عالية للمستقبل وتحاول بكل الطرق وضع خطة أو إيجاد حلٍ للوصول لها تضطرك الى الإدمان على التفكير، أو أنَّ الفرد لديه بعض الاضطرابات النفسيَّة مثل القلق والخوف والوسواس القهري.
ليس هذا فقط، بل إنَّ الإدمان على التفكير يؤدي الى أضرارٍ جسديَّة، إذ أشارت الدراسات الى أنَّ المصابين بالإدمان على التفكير يعانون من اضطرابات الهضم، كالقولون العصبي ونقص الشهيَّة وأمراض القلب والضغط، وأمراض جلديَّة، كحب الشباب والحكة، وأمراض المناعة بسب إفراز هرمون القلق (الكورتيزول) واضطرابات النوم، كالأرق أو كثرة النوم.
ستقول: من الجميل أنَّكم لفتم انتباه القارئ لحالة ما كانت تخطر على باله، فما هو العلاج؟
علاجات هذا النوع من الإدمان، عزيزي القارئ، متعددة نختار لك منها أهمها: عليك بالرياضة أولاً، لا سيما المشي، وتدرب على تقنيات الاسترخاء والكتابة التفريعيَّة التي تحرر العقل من سموم الأفكار، وتصالح مع الماضي وتسامح مع نفسك واغفر لذاتك والآخرين ما ارتكبت وارتكبوا من أخطاء، وتذكر ما هو جميلٌ من ماضيك وما أعجبك وأعجب الآخرين، فإنْ لم تنفع، عليك اللجوء الى استشاري نفسي فسوف يريحك من هذا الإدمان، ونحن لمساعدتك حاضرون.