كربلاء: أحمد صلاح
تشهد محافظة كربلاء، تغيرات ملحوظة في المشهد الاجتماعي والثقافي في الأعوام الأخيرة، فقد توجهت الى الزيادة الملحوظة في عدد المقاهي والمطاعم، مع تراجع المنتديات الشبابيّة والثقافيّة بشكل ملحوظ، مما أثار العديد من التساؤلات بشأن الأسباب والتداعيات لهذه التحولات.
فما هي التحولات المتوقعة في السياق الثقافي والاجتماعي لكربلاء في الأعوام المقبلة؟، وكيف يمكن للمجتمع المحلي التأقلم مع هذه التحديات والحفاظ على هويته الثقافية؟، تلك هي بعض الأسئلة التي تستدعي البحث والتأمل لفهم المستقبل المحتمل لهذه المدينة العريقة.
وأشار الصحفي نورالدين الفتلاوي الى أن "تزايد عدد المطاعم والمقاهي في محافظة كربلاء يثير قلقًا بالغ الخطورة بسبب تأثيرها السلبي على المنتديات الثقافيّة والفكريّة في المدينة، فعلى الرغم من الجوانب الاقتصاديّة الإيجابية لهذه الزيادة، إلا أنّها تأتي على حساب الحياة الثقافيّة والفكريّة للمجتمع".
ويوضح أنّ "المنتديات الثقافية والفكرية تُعد منصات حيوية لتبادل الأفكار وتعزيز التواصل والتفاعل الاجتماعي بين الشباب والمثقفين، وانخفاض نشاطات هذه المنتديات بسبب التفضيل المتزايد لزيارة المقاهي والمطاعم، هذا التفضيل يهدد الفرص الثقافيّة والتعليميّة التي توفرها المنتديات".
واستطرد الفتلاوي في حديثه، قائلا، إنّه "يجب على السلطات المحلية والمنظمات الثقافيّة، العمل على تعزيز دور المنتديات الثقافيّة والفكريّة، وتوفير بيئة داعمة للحوار والنقاش وتبادل الأفكار، وينبغي أن تكون الجهود موجهة نحو تشجيع الشباب على المشاركة في الأنشطة الثقافية والفكرية، وتوفير المساحات المناسبة لهذا الغرض".
وذكر الباحث في التاريخ الإسلامي علي حسين عبد، أنه "مع ارتفاع عدد المقاهي والمطاعم في مدينة كربلاء، تظهر صورة محزنة لانخفاض عدد المنتديات الشبابيّة الثقافيّة، هذا الانخفاض يمثل تحديًا حقيقيًا للمجتمع الشبابي، ويطرح استفسارات مهمة عن مستقبل الثقافة والتفكير النقدي في المدينة".
وأشار عبد إلى أنه "تاريخيًا، كانت المنتديات الشبابية الثقافية تلعب دورًا حيويًا في تعزيز الوعي الثقافي وتحفيز التفكير النقدي بين الشباب.
ومع ذلك، يبدو أن الأولويات والاهتمامات قد تغيرت، مما أدى إلى انخفاض ملحوظ في المشاركة في هذه الأنشطة الثقافية".
وبيّن، أنّ "الدراسات تظهر ميول الشباب إلى قضاء وقت فراغهم في أماكن الترفيه والاستجمام بدلاً من المشاركة في الأنشطة الثقافية".
من جهته، قال رئيس حملة شبابنا علي حاكم الميالي، إنّ "قلة المنتديات الثقافية يعود لإهمال الجهات المعنية للمنتديات والمراكز الشبابية الثقافية والفنية، والمسؤول الأول وزارة الشباب والرياضة ومن ثم مديرية الشباب والرياضة والحكومة المحلية في محافظة كربلاء"، مبينًا أنّ "الكثير من هذه المنتديات آيلة للسقوط مثلا منتدى عين التمر، فهو معرّض للسقوط في أي وقت، كذلك القاعة الموجودة في منتدى شباب الحر تلاقي المصير نفسه".
وتابع الميالي، أنّ "الميزانية المخصّصة لهذه المنتديات والقطاع بشكل عام تمثل من ( 5 – 7 بالمئة) من ميزانية محافظة كربلاء"، مشيرًا إلى أنّ "الكثير من منتديات الشباب والرياضة والمراكز الثقافية في كربلاء تم احالتها إلى الاستثمار فتحولت جزءًا منها إلى مطاعم أو مقاهي، ومن ثم الشباب الكربلائي إذا أراد حضور ندوة، أو أن يقيم نشاطًا لا يجد في محافظته مكان لهذا الغرض؛ لذا يضطر للذهاب إلى محافظة أخرى لإقامة نشاطه".
تنطوي مأساة تحول المنتديات الشبابية في كربلاء إلى أماكن ترفيهية على تحديات كبيرة تهدد التراث الثقافي والروح الاجتماعية للمجتمع.
لذا توجب على الجهات المعنية اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز دور المنتديات الثقافية وإعادة إحياء الحوار الثقافي بين الشباب.
أصبح الحفاظ على التراث والتفاعل الثقافي الفعال يمثل تحديًا حقيقيًا يتطلب تضافر الجهود من الحكومة والمجتمع المدني والشباب للحفاظ على الهوية الثقافية وبناء مستقبل أفضل لكربلاء وللعراق بأسره.
إنَّ عدم اهتمام الجهات الحكومية بتعزيز الأنشطة الثقافية والترفيهية للشباب في محافظتنا هو إهمال فاضح لمستقبل الشباب وتقويض للثقافة والترابط الاجتماعي، لذا يجب عليها أن تتحمل مسؤوليتها وتتخذ إجراءات فوريَّة لتحفيز الشباب ودعمهم في تطوير مهاراتهم واهتماماتهم الثقافية، إذ لا يمكن تجاهل الوضع الراهن لانخفاض عدد المنتديات الشبابية الثقافية، ذلك يعكس فشلًا كبيرًا من الجهات الحكومية في توجيه الاهتمام والدعم لهذه الفئات، ويظهر الإهمال الشديد تجاه الجوانب الثقافية والتربوية للتنمية الشبابية.
وفي هذا السياق، قالت الناشطة الاجتماعيّة صفا البو سنه، إننا "لا يمكننا تجاهل الآثار السلبية للإهمال الحكومي على الحياة الثقافية والاجتماعية في مجتمعنا، وتخلي الجهات الحكومية عن دورها في تعزيز النشاطات الثقافية وتقديم الدعم للشباب يعد خيانة للثقة وتجاهل لمتطلبات التنمية المستدامة".
وأضافت، أنّ "الجهات الحكومية عليها أن تضع الشباب في مقدمة أولوياتها، وأن تعمل على تشجيع الأنشطة الثقافية والترفيهية التي تساعد في تعزيز التفاعل الاجتماعي وتنمية المهارات، وعدم تقديم الدعم اللازم يعد خيانة للشباب وإهداراً لموارد الأمة".
تسبب تقديم الجهات الحكومية الأولوية للمقاهي والمطاعم على حساب المنتديات الشبابية الثقافية في تفاقم ظاهرة انعدام الثقافة بين الأجيال، وهذا السلوك يعكس تفاقم الأولويات السطحية على حساب التنمية الشاملة وتعزيز التواصل الثقافي والاجتماعي.