نافع الناجي
بالرغم من وجود آلاف مصانع القطاع الخاص في عموم العراق قد ركنت منذ عشرين عاماً، مخلفة إهدار مئات الآلاف من فرص العمل، وإهدار مليارات الدولارات، التي ضخت في استيرادات عشوائية في سلعٍ رديئة، فضلا عن نخر موازنات البلاد بالاعتماد على القطاع العام، لكن العام الجاري شهد محاولات جادة لإعادة العمل في بعضها واستقطاب الأيدي العاملة العراقية، بعد موت سريري ألمّ بالقطاع الخاص لأكثر من عشرين، عاما توقفت خلالها آلاف المصانع والمعامل.
عودة تشغيل المصانع المتوقفة بدأت تتحرك عجلاتها بشكلٍ تدريجي بعد التوجهات الحكومية الأخيرة لتفعيل الصناعة المحلية، إذ يستشّف المعنيون ارتفاع مؤشر متنامٍ لهذا المجال، بعد تسجيل أكثر من ألف مشروعٍ جديد ضمن أروقة اتحاد الصناعات العراقي.
نشاطٌ صناعيٌّ واضح
وقال عضو مجلس إدارة الاتحاد محمد عبد محمد "خلال الربع الأول من هذه السنة تسجل عندنا مشاريع جديدة تجاوز عددها الألف مشروع، كما شهدنا إعادة تسجيل وتجديد مشاريع يبلغ عددها حوالي 3 آلاف مشروعٍ آخر".
وأضاف "مجمل المشاريع المسجلة لدينا في اتحاد الصناعات تتجاوز 64 ألف مشروع، لكن أغلبها توقف للأسف خلال العشرين عاماً الماضية، بسبب ما شهدته البلاد من حروبٍ وأحداث". ولفت محمد إلى أن "الحركة الصناعية تشهد الآن نشاطاً واضحاً وكل المؤشرات تبدو جيدة لعودة القطاع الخاص، كي يأخذ مساحته ووجوده كرديف لبناء البلاد وتغطية حاجاتها من السلع والخدمات".
نتائجُ جيدة
اقتصاديون يرون أن القطاع الخاص بات أكثر جاهزية للولوج في سوق العمل ومنافسة المستورد وتوفير مختلف السلع والمنتجات، إذا ما استمر الدعم الحكومي لهذا القطاع، فضلا عن قدرته على التخفيف عن كاهل الحكومة والقطاع العام عبر استقطاب الآلاف من الأيادي العاملة، وإتاحة فرص العمالة. الباحث في الشؤون الاقتصادية مضر عبد الله، أوضح من جهته أن "القطاع الخاص العراقي لديه من الجاهزية والاستعداد، ليعمل ويصل لنتائج كبيرة وطيبة"، مضيفاً "أتوقع إذا استمر الدعم لهذا القطاع بهذه الوتيرة، أن يكون العام 2024 هو عام القطاع الخاص". مستدركاً "بالرغم من أن الحكومات السابقة كانت للأسف محاربة لهذا القطاع عبر إجراءات تعسفية ظالمة، إلا أن رئيس الوزراء الحالي، هو من فتح هذا المنفذ لدعم وانعاش قطاع الصناعة خاصة، والإنتاج الوطني عامة، ووصلنا لنتائج جيدة حتى الآن"، حسب تعبيره.
وكانت آلاف المصانع والمعامل المغلقة تحول معظمها الى مساحات مهجورة أو مخازن لتكديس السلع المستوردة.
الصناعة هوية البلد
الخبير الاقتصادي محمد سمير، يقول: "بخصوص المصانع العراقية، فهي متوقفة لأسبابٍ كثيرة، وأهم هذه الأسباب هي الجنبة القانونية، حيث كانت الكثير من هذه المصانع، تعاني من المعوقات القانونية، خصوصا قانون التعريفة الوقودية وقانون استهلاك الطاقة الكهربائية".
ولفت إلى أن "ربع مداخيل الإنتاج تذهب لتوفير الطاقة الكهربائية، برغم صدور العديد من القرارات لمجلس الوزراء للحكومات السابقة لتوحيد تعريفة الكهرباء، ولكن لم يتم الالتزام بها".
وأضاف سمير "هنالك تحركات وخطوات جادة لدعم الصناعة العراقية، من قبل الحكومة الحالية التي تعد راعية للقطاع الخاص والدافعة لعجلة الصناعة الى الأمام، حيث عادت الحياة الى حوالي 3150 معملاً ما بين معامل صغيرة ومتوسطة، تسهم جميعها بمنتجات وطنية وتوفر فرص عمل لا بأس بها، تخفف من حالة البطالة الموجودة".
وزاد محمد سمير "من الخطأ ان تقوم وزارة الصناعة بغلق هذه المعامل التي لديها القدرة على تشغيل مليون الى مليوني موظف، لو كانت مستغلة بشكلٍ صحيح يؤدي الى تنمية صناعية حقيقية لأن الصناعة هي هوية بلد".
التوجه للاستثمار
ولعل التحرير الاقتصاد الوطني من هيمنة النفط كمصدرٍ وحيد للدخل ودعم القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، من أبرز المهام الاقتصادية ذات الأبعاد الاستراتيجية، وتمثلت خطوة البرلمان الأخيرة بالتصويت على قانون الضمان الاجتماعي، التي تعد واحدة أهم الخطوات التشجيعية لتنامي القطاع الخاص بحسب المعنيين.
ويعتقد المختصون في مجال الصناعة أن الحل الأمثل لإحياء المصانع والمعامل هو عرضها للاستثمار، ليتسنى للقطاع الخاص تأهيلها وتشغيلها من جديد، وعلى مدى السنوات الماضية أطلقت الحكومات العراقية المتعاقبة عدة مبادرات لإعادة تشغيل المصانع والمعامل المتوقفة، لكن بعضها كانت مجرد حبرٍ على ورق، ولم تستطع تلك المبادرات إحياء تلك المعامل أو حتى استعادة عافية الصناعات في العراق.