وليد خالد الزيدي
أول من قام بنقل تقاليد الموسيقى الشرقيَّة إلى نظيرتها الغربيَّة المايسترو الياباني سيجي أوزاوا الذي أذهل الجماهير بعروضه على مدار ثلاثة عقود قائداً لأوركسترا بوسطن السيمفونية الامريكية منذ عام 1973 حتى عام 2002، وشارك بتأسيس اوركسترا سايتو كينين عام 1984، وفاز بجائزة غرامي لأفضل تسجيل عام 2016 عن اوبرا "الطفل والسحر" لموريس رايفل وهي فترة طويلة تفوق ما قضاه غيره في تاريخ الأوركسترا حيث تفرغ بعدها لإدارة الأوبرا بالعاصمة النمساويَّة فيينا حتى عام 2010، ثم عاد إلى بلده وأعلن مكتبه قبل أيام وفاته عن عمر 88 عاما بعد إصابته بقصور القلب في منزله بطوكيو، وبرحيله فقدت الموسيقى العالمية أبرز رموزها.
بدايات أزاوا مثيرة.. فحينما كان مراهقاً عشق آلة البيانو، لكن والدة معلمته منعته من العزف عليها فتحدّاها، كما كان شغوفا بلعبة الركبي وفي إحدى المباريات عام 1950 كسر إصبعيه السبابتين فأنهى ذلك أمله بتحقيق رغبته تلك، ولم تكن تلك الحادثة العقبة الوحيدة التي واجهت أوزاوا في مسيرته فقد عاش طفولة صعبة عندها طرح فكرة تغيير نمط حياته الموسيقية حتى أصبح قائد أوركسترا شهير شق طريقه في الموسيقى الكلاسيكية فربط تقاليد الموسيقى الشرقية بتقاليد موسيقى الغرب.
ينتمي سيجي إلى مدرسة اليابانيين المتأثرين بالغرب في موسيقاهم فحينما ولد عام 1936 شمال الصين التي احتلتها الإمبراطورية اليابانية، آنذاك، فرت أسرته عائدة إلى طوكيو مع اقتراب هزيمة الحرب العالمية الثانية عام 1944، ورغم أن والده كان طبيب أسنان لكنه لم يملك سوى مال قليل فكان أوزاوا يدفع تكاليف دروسه عن طريق جز حديقة معلمه وبعد حادثة الركبي تغيرت حياته وهو بعمر 15 عاما، عندما اقترح مدرس البيانو عليه قيادة عالم غير معروف ذلك الوقت وصادف مشاهدته لحفل الأوركسترالي الأول كونشيرتو البيانو الخامسة لبيتهوفن، فادمن عليها وتألق فيها واختير عام 1958، كأفضل موهبة استثنائية وسافر إلى
الخارج. وهي خطوة أثبتت تغييرها لقواعد اللعبة لديه عندما التقى بعض أعظم نجوم الموسيقى الكلاسيكية ومنهم قائد فرقة ليونارد برنشتاين فعينه مساعده في أوركسترا نيويورك الفيلهارمونية موسم (1961 - 1962) ثم قائد لأوركسترا الشهير هربرت كاراجان ومساعد في أوركسترا برلين الفيلهارمونية وذهب أوزاوا لقيادة فرق الأوركسترا في شيكاغو وتورنتو وسان فرانسيسكو وقضى 29 عاماً، كمدير موسيقي لأوركسترا بوسطن السيمفونية فأطلقوا اسمه على قاعة الحفلات الموسيقية قبل مغادرتها عام 2002، ليصبح قائد الفرقة الموسيقية في دار أوبرا فيينا حتى عام 2010.
الموسيقى اليابانيّة التقليديّة هي الوحيدة المعروفة لدى معظم اليابانيين لكن الحال تغيّر في سبعينات القرن الماضي فأصبحت موسيقى البوب شائعة عندهم لكنهم تأثروا بالغرب، ومع ذلك ظل أزاوا يمارس عمله خلال سنواته الأخيرة في موطنه الأصلي، وكان المدير الفني والمؤسس لمهرجان ماتسوموتو للموسيقى والأوبرا في اليابان، فهو رغم استمتاعه بمسيرته المهنية المتألقة في الغرب، لكنه لم يغفل أبداً عن جذوره الأصلية في بلده.