العاصمة تُقبلُ على أكبر نهضة عمرانيَّة في مجال النقل
أحمد بشي
بعد أمل وانتظار استمر لأكثر من أربعة عقود، ها هو مشروع مترو بغداد يعود إلى واجهة الحقيقة بعد نفض الغبار عنه وإعلانه فرصة استثمارية، ليحل عقد السنين من أزمات الزحامات المرورية، ويكون كفيلا بانقاذ آلاف مؤلفة من المواطنين، بسبب الاكتظاظ السكاني الحاصل في العاصمة بغداد.
تفاؤلٌ شعبي
محمد عمار صاحب أحد خطوط نقل الموظفين، من سكنة منطقة بسماية قال في حديثه لـ(الصباح): "على الرغم من الخروج مبكرا إلا أنه يتأخر يوميا في وصول موظفيه الى دوائرهم، وقد يستغرقون أوقاتًا طويلة قد تصل إلى ساعات لدخول العاصمة بغداد، لأسباب منها المداخل الجنوبية السيئة، والدواعي الأمنية المشددة، وايضا دخول المركبات الكبيرة كالشاحنات وعدم التزام سائقيها، بالجانب المخصص لهم، فيحدث زحاماً وعرقلة كبيرة في المداخل وهذه معاناة يومية كبيرة تواجهنا".
وأردف عمار، أن "المشاريع المتاحة التي يقوم مبادرتها دولة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ومنها مشروع المترو ستسهم في تخفيف الزخم المروري".
هذا الامر حصل مع الكثيرين ومنهم الطالب في جامعة بغداد حسين عصام عادل، عبر عن معاناته من الزحامات، لا سيما أثناء العبور من جانب الكرخ إلى الرصافة، مبينا "أن الزحامات المرورية تسبب لي تأخيرا يجعلني في بعض الأيام أتخلف عن حضور الحصة الأولى، وفي أحيان أخرى أواجه صعوبة في استخدام وسائط النقل العام، خاصة في وقت الذروة خلال الدوام الرسمي".
حلولٌ دائمية
بدأ الخبير المروري اللواء عمار وليد الخياط في حديثه لـ(الصباح) ليقول: إن "مترو بغداد والقطار المعلق يعتبران من الحلول الدائمية وليس الترقيعية، لانهما قد يتوسعان وينجحان مستقبلا وجميع مدن العالم لا تطاق القيادة بها، لكن بغداد الانسب لو طبقت لها المشاريع المعلقة حيث مترو بغداد يعمل على مدار (18) ساعة مستمرة، وفي المرحلة الاولى ينقل (50,000) راكب بالساعة الواحدة، إضافة الى جدواها الاقتصادية، من خلال عدم تنقل المواطنين بالمركبات، ويجب الاعتماد عليه".
وأضاف الخياط، أن "بغداد ستصبح "ترانزيت" لان المترو حل جزئي لأزمة الزخم المروري، ويكون ذلك عبر انجاز المشاريع المتاحة، كالطريق الحلقي الرابع والخامس الذي من خلاله مركبات المحافظات الكبيرة لا تدخل بغداد"، منوها بأن "الحد من تلك الأزمة في بغداد، يجب ان تكون الطرق ووسائط النقل العام جديدة وليس فقط الباصات، وإن إنجاز مشروع المترو والقطار المعلق سيكون من خلالهما القانون مُنَفَذا بعدالة عن طريق التزام جميع المخالفين، الذين ساهموا بالزخم عن طريق السير عكس الاتجاه، وغيرها من أزمات ثقافة السائقين".
فرصةٌ استثماريَّة
البيئة العراقية مشجعة وليست طاردة للاستثمار، هكذا يقول المتحدث الرسمي باسم وزارة الاعمار والاسكان استبرق صباح في حديثه لـ(الصباح)، أن "الوزارة تساهم وبشكل فعال في مشاريع فك الاختناقات المرورية، جنباً الى أمانة العاصمة وباقي الجهات القطاعية لغرض الاستفادة من كوادرنا لتنفيذ مشروع المترو، حيث بلغت الحزمة الأولى لمشاريع الوزارة (16) وعلى أرض الواقع (15) ولم يتبقى سوى تقاطع المصافي، أما الحزمة الثانية متمثلة بمشاريع جانبي الكرخ والرصافة وبعض تقاطعاتها، إضافة إلى الطريق الحلقي الرابع المحيط بالعاصمة الذي بلغ طوله (94) كم وبعرض أكثر من (100) متر ناقلا للحركة المرورية من المناطق الشمالية الى الجنوبية والعكس دون المرور بالعاصمة مع توفر نقاط الاستراحة وغيرها".
وأكد صباح، أن "البيئة العراقية مشجعة وليست طاردة للاستثمار، ويتحقق ذلك خلال الدعم الداخلي والخارجي من الطبقة السياسية وبإسناد قانون الاستثمار العراقي، إضافة إلى الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأسعار النفط باتت تمثل سوقا واعدة لجذب الاستثمارات الرصينة من الشركات الاجنبية في العراق، ومنها إحالة مدينة الجواهري الجديدة في منطقة أبو غريب عن طريق الاستثمار".
مشيرا الى أن "إنشاء المشاريع التنموية كالقطار المعلق ومترو بغداد ذات اهمية قصوى لأنهما يساهمان في تطوير قطاع الطرق والجسور، وفك الاختناقات في العاصمة، وهما داعمان لحركة وصول المواطنين، لكن انجاز مشروع المترو يقع على عاتق أمانة بغداد بالدرجة الرئيسة ويفترض المباشرة به".
سياسة الحكومة
مستشار السياسة المالية الدكتور مظهر محمد صالح اوضح في حديثه لـ(الصباح)، أن "على مدار أربعة عقود ونيف من الحروب والصراعات وضعف التنظيم اللوجستي المناسب لإدارة البنية التحتية للعاصمة بغداد، وتحديدا سبل النقل الجماعي الكبير التي ضاقت مجالاتها، ما جعل العاصمة تستبدل تنقلاتها بالنقل الفردي، من دون ان يرافق ذلك تطور اكبر في شبكات الطرق، فطاقة الطرق الحالية التقليدية لمدينة سكانها قارب (9) ملايين نسمة اخذت تتحمل وسائط نقل إضافية زادت على عشرة أمثال طاقتها الاستيعابية، الأمر الذي قاد الى تعطيل كفاءة الانتقال والحركة بين اطراف العاصمة ومركزها بسبب اختناق الطرق ازاء خسارة في الوقت الاقتصادي للأعمال، ناهيك عن التلوث البيئي بسبب عوادم السيارات".
وأشار صالح إلى أن "الحلول المتاحة تكمن عبر بناء بدائل نقل جماعي داخلي سريعة التنقل قليلة الكلفة، ومنها قطارات المترو الحديثة، التي أصبحت حاجة أساسية ترافق حملة فك اختناقات العاصمة، إضافة إلى الجسور والطرق المعلقة التي يقود مبادرتها دولة رئيس الوزراء ضمن سياسة الإعمار وتوفير الخدمات في البنية التحتية في بغداد والمحافظات كافة".
مشروعٌ متكامل
فيما كشف أمين بغداد عمار موسى كاظم، في تصريحات سابقة لوكالة الانباء العراقية (واع)، عن تفاصيل جديدة تخص مشروع مترو العاصمة، الذي سينفذ في جانبي الكرخ والرصافة، وفيما أكد العزم على التعاقد مع شركة استشارية قريباً للبدء بمتطلبات المشروع، لفت إلى العمل لتنفيذ مشاريع لحل مشكلة السكن والزحامات المرورية في
العاصمة.
وقال كاظم: إنه "ضمن التوجيهات الحكومية لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني تواصل أمانة بغداد عملها المستمر، لتنفيذ العديد من المشاريع الخدمية ضمن حدود العاصمة في قطاع الماء والصرف الصحي والإكساء والمساحات الخضراء".
وأضاف، أن "مجلس الوزراء وافق من بين تلك المشاريع على إدراج مشروع مترو بغداد ضمن الموازنة الخاصة لأمانة بغداد، وبوقت قريب سيتم التعاقد مع شركة استشارية للبدء بمتطلبات المشروع".
وتابع كاظم، أن "العقود السابقة لمترو بغداد لم تلغ"، لافتا، إلى أن "المشروع سيغطي 80% من مساحة العاصمة ليكون مشروعا متكاملا في جانبي الكرخ والرصافة وسيحل مشكلة النقل في بغداد".
"المترو" تاريخيًّا
ويعود تاريخ مشروع "مترو بغداد" إلى عام 1980، حين قامت شركة "DBP" البريطانية بتصميم المرحلة الأولى للمترو، والبالغ كلفتها 1.8 مليار دولار، والمؤلفة من خط سير بطول 32 كيلومترا و36 محطة توقف وانتظار، وينقسم إلى خطين: الأول يربط بين الأعظمية ومدينة الصدر، لكنه تعطل بسبب الحرب العراقية الإيرانية، ثم غزو الكويت وحرب تحريرها.
وفي عام 1984، قدمت شركة برازيلية تصميما متكاملا، لتوسعة تشمل الخطين الأول والثاني من مشروع المترو، وتتضمن إضافة مسافة 11 كيلومترا إلى خط السير و10 محطات تنتشر خارج نطاق تغطية المرحلة الأولى من المشروع.
وبعد 2003 طرح المشروع مرة أخرى من قبل برلمانيين وأعضاء بالمجالس المحلية، كحل للحد من الاختناقات المرورية، لكن الظروف الأمنية والفساد وعدم الاستقرار السياسي.
وفي تموز 2011 أعلنت أمانة بغداد أن شركة فرنسية تقوم بإعداد التصاميم الأولية لمشروع مترو العاصمة، ودعت الشركات الفرنسية للتنافس مع الشركات العالمية الأخرى لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار.
لكن المشروع لم يتجاوز هذه المرحلة حتى عام 2017.