مرقد السيد {أبو هاشم}.. غصنٌ من شجرة المعلم الأول
عامر جليل إبراهيم تصوير: إعلام الأمانة العامة للمزارات الشيعية
تميزت أرض كربلاء المقدسة باحتضانها مراقد أجساد طاهرة ورجال عظماء، خلدهم التاريخ لعلمهم وفضلهم وشجاعتهم ودفاعهم عن الدين والعقيدة، ففي كل ناحية من نواحي كربلاء وكل ضاحية فيها تجد مراقد منيرة لعترة طاهرة سمت في سماء الفداء، يقصدهم محبوهم من جميع أنحاء العالم للزيارة، واستلهام الدروس والعبر من سيرهم الشريفة، ومن هذه المراقد الطاهرة مرقد السيد ابن الحمزة.
(الصباح)، وفي جولاتها المستمرة بالتعاون والتنسيق مع الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة زارت هذا المرقد الشريف، الذي يقع في قضاء الهندية – طويريج - التابع لكربلاء في الجانب الكبير ويبعد عن شارع حلة - كربلاء (1) كم، لتلتقي بالسيد محمد باقر الهنداوي الأمين الخاص للمرقد الشريف.
سبع الهندية
يقول السيد محمد باقر الهنداوي الأمين الخاص للمزار عن نسب "ابو هاشم": هو السيد محمد بن الحمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).
ولد السيد "ابو هاشم" حسبما ذكرت المصادر التاريخية في العام 210 للهجرة الشريفة ووفاته كانت في العام 286 ﻫجرية واشتهر بعدد من الألقاب منها (أبو هاشم) و(سبع الهندية)، الذي يدل على شجاعته وحمايته لمن حوله، و(سبع الولاية) و(سبع الجنابات).
وهناك رأيٌ آخر انه محمد بن علي بن حمزة المكنّى بابن الحمزة (عماد الدين) عالم جليل من أهل المئة الخامسة، وذكر الشيخ علي الكوراني في الجزء الرابع من كتابه معجم أحاديث الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أن محمد بن الحمزة، وسمع الإمام العسكري (عليه السلام) يذكر نصاً فيه إشارة الى ولادة الإمام المهدي (عج) رغم إحاطة الإمام العسكري (عليه السلام) للخبر بالسريّة، ما يدل على أن السيد محمد كان معاصراً للإمام العسكري (عليه السلام) ومن أصحابه وخواصه، وبعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) انتقل من سامراء الى كربلاء بسبب سياسة بني العباس الغاشمة، ورغبته في مجاورة مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) وخدمة زوّاره حتى وافته المنية، ودفن في هذا المكان الذي يزار
فيه.
غياب التوثيق
ويروي الأمين الخاص مقتطفات من حياة هذا العالم الجليل قائلا: والده هو السيد الجليل والعالم الكبير حمزة بن الحسن بن عبيد الله المعروف بأبي القاسم الذي كان معاصراً للخليفة العباسي المأمون، وكان على مكانة مرموقة لدى الناس قاضيا لحوائجهم، له من الأبناء سبعة بنين، منهم محمد بن الحمزة والقاسم بن الحمزة وعلي بن الحمزة، وعند محاولتنا البحث والتنقيب عن سيرة ومناقب سيدنا محمد بن الحمزة (ابو هاشم) نواجه مشكلة صعبة، تتمثل بقلة وانعدام الأحداث التاريخية التي توثق تلك المرحلة الزمنية التي عاش فيها هذا العالم الجليل وبالتالي لم يصل الينا إلا القليل من سيرة ابي هاشم، فقد حاول الحكام الظلمة على مر العصور بمحاربة الحق الذي تجسد في آل محمد (ع)، فكان هذا العالم الجليل معاصرا للامام الحسن العسكري (ع)، إن لم نقل بكونه معاصرا لأبيه الإمام الهادي، كان يتلقى علومه ومعارفه وأفكاره ومناهجه القويمة وسلوكياته المتميزة من مدرسة آل البيت (ع)، وانه كان راويا لأحاديثهم وفضائلهم وناقلا لها.
بناءٌ متواضع
وعن مرحل العمارة يؤكد الأمين الخاص: يظهر للمتتبع تاريخيا أنه بقي هذا القبر الشريف لسيدنا محمد بن الحمزة (ع) مخفيا حتى بدايات القرن العشرين المنصرم، ففي بدايات الخمسينات من القرن الماضي ظهرت أولى البنايات التي اقيمت على القبر الشريف وكانت عبارة عن غرفة صغيرة من القصب تحيط القبر الشريف وتوالت السنوات وبدأت أولى مراحل بناء المرقد المطهر أيام الستينات، إذ بدأ ببناء صغير من الطابوق والحديد ولا وجود لصحن خارجي أو أروقة وقبة، بل كان بناءً متواضعا تعلوه راية خضراء اللون، في سنة 1984 قام سدنة المرقد الشريف مع مجموعة من الخيرين ممثلين بأهالي الهندية بتوسعة البناء، مع اضافة قبة متوسطة الحجم وتوالت مراحل الاعمار وفي سنة 1998 قام جمع من الخيرين من أبناء المدينة، بإضافة قبة كبيرة وضعت فوق تلك القبة القديمة، وغلفت بالكاشي الكربلائي، ونقشت عليها كتابات أسماء الله الحسنى وأسماء الائمة المعصومين، في سنة 2007 تسلمت الأمانة العامة للمزارات الشيعية مسؤولية المرقد وبادرت بهدم المزار بالكامل وإعادة بنائه على مرحلتين انتهت الأولى عام 2011 وشملت بناء الضريح والمنارة، وما زال العمل جاريا في مرحلته الثانية.
هدايا ومساهمات
واثناء تجوالنا بالمرقد حيث رافقنا المهندس زيدون الدفاعي مسؤول الشعبة الهندسية في مزارات كربلاء ليحدثنا قائلا: تبلغ المساحة الكلية للمرقد: 2675 م2، 600م2 منها يشغلها الحرم الداخلي، ارتفاع القبة 17م مغلفة بالكاشي الكربلائي، وارتفاع المئذنة 28م ايضا مغلفة بالكاشي الكربلائي، أما باقي المساحة فيشغلها الصحن والأواوين.
ولتقادم البناء قامت الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة بإعادة إعماره، فشملت بناء الضريح وتغليفه بالمرمر والكرانيت، وبناء الأواوين والصحن ليتسع لأكبر عدد من الزائرين، كما تم أيضاً بناء السور الخارجي للمزار وعدد من المرافق الخدمية الأخرى، حيث تمت المباشرة للمرحلة الاولى بالعمل سنة 2010 حيث تم هدم البناء القديم بصورة كاملة وتم انجاز الهيكل الانشائي للحرم سنة 2012م بنسبة 100%، وفي سنة 2013 تمت المباشرة بأعمال المرحلة الثانية والتي من المفترض ان تشمل انهاءات الحرم الشريف وأعمال الأواوين والسور الخارجي والغرف الخدمية والمجاميع الصحية مع جميع أعمال الانهاءات المطلوبة، إلا أن الأعمال توقفت سنة 2015 وبنسبة انجاز 60%، وخلال سنة 2021 قامت الامانة العامة للمزارات الشيعية بأكمال انهاءات الحرم الشريف ليكون بأبهى صورة، وكذلك تغليف باب المراد الشمالي والمجاميع الصحية لتصل نسبة الانجاز الى 80% حيث كان تمويل هذا العمل من ايرادات المزار الشريف، ساهمت العتبة الحسينية الشريفة بأستبدال الشباك القديم للمزار الشريف حيث تم اهداء الشباك القديم للسيد ابراهيم المجاب والذي كان موضوعا داخل الحرم الحسيني الشريف ليتم نصبه في هذا المزار، وكذلك اهداء جهاز التبريد المركزي المنصوب في المرقد الشريف.
زائرون ومتعلمون
وفي ختام جولتنا كان لنا وقفة مع سماحة الشيخ عقيل الحمداني المعاون الثقافي في المزار الشريف ليحدثنا عن أوقات الزيارة واقبال الزائرين قائلا: إن عدد الزائرين في الأيام الاعتيادية يصل الى (500) زائر، فيما يصل يومي الخميس والجمعة (2000) زائر، أما في شهر محرم الحرام وأيام الزيارات الخاصة، فيصل العدد الى الآلاف، لأن العديد من المواكب الخدمية تحطُّ رحالها في المرقد لخدمة الزائرين القادمين الى الأمام الحسين (عليه السلام)، يؤم المرقد عدد كبير من الزائرين من العراق والعالم الاسلامي، وعن النشاطات التي تقام في المرقد الشريف دورات لتعليم تلاوة القرآن ونشاطات ثقافية عديدة فضلا عن المجالس الحسينية على مدار
السنة.