إيمان غيدان
قصة غريبة تسرد أحداثها بشكلٍ مشوهٍ عن الحياة عبر اختلاط زمني بالعصور، وتسلط الضوء على سلوكيات المجتمع بطريقة تبرز السلبيات التي تعاني منها النساء حتى وقتنا الحالي. هذا ببساطة ملخص ما استنتجته من متابعتي لقصة فيلم أشياء مكسورة أو أشياء فقيرة «Poor Things» التي تدور أحداثها حول امرأة شابة لها عقل طفل رضيع، وتعاني من صعوبات في التعلم.
بعد الانغماس في تفاصيل قصة «بيلا» البطلة ستظهر تساؤلات عديدة حول إمكانية «اكتشاف الذات» وعن تلك الرغبة الكامنة في التحرر، والتي تظل في الغالب استغلالاً ربما يعمد إليه الكثير من الناس، وخاصة للذين يعانون من التعامل معهم بشكل غير لائق، وبما يتعارض مع القوانين مثل صغار السن «الأطفال» أو الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، فضلاً عن التحيّز الجنسي وغيره من الأمور التي تندرج تحت قائمة السياسة الاجتماعيَّة.
بعد البحث عن مرجعيَّة الفيلم في الأنترنت اكتشفت أن قصته تستند إلى رواية خيالية علمية للكاتب «ألسدير جراي»، وتتناول القوة التي تقودنا إلى الضياع. ولكن هذا الأمر لا يثير اهتمامي هنا بقدر أن قصة الفيلم السرياليَّة فيها الكثير من السلوكيات المحبطة والمرعبة، لأنّها تذكرنا بكيفية استغلال أجساد الفتيات الصغيرات، بل إنَّ هناك مشاهد يبدو فيها التركيز على سذاجة بطلة الفيلم «بيلا» وهي تخوض المغامرات في غاية الأهمية، وخاصة عندما نفكر في تشخيص الأمراض النفسيَّة ومسبباتها. على الرغم من أن النمو العقلي لبطلة الفيلم «بيلا» غير متوافق مع مظهرها الجسدي؛ لذا فإنّ سلوك «بيلا» تجاه الأحداث التي خضعت لها عبر الفيلم هي نتيجة منطقيَّة لما تتعرّض له الفتيات الصغيرات من إهانة أو تهديد بالعنف، وخاصة من قبل الرجال الذين يحاولون استغلال جسد الفتاة جنسيَّاً، وهو ما نجح الفيلم في اظهاره عبر بيئة غريبة وغير مريحة، كما ونجح أيضا في نقل مسألة التحرر السلبي، وهما مسألتان يصعب تحقيق التوازن بينهما في واقعنا المعاش.
الفيلم الذي يبدو وكأنه من الخيال العلمي بصبغة كوميديا سوداء يركز على مراحل عمريَّة تبدأ منذ الطفولة من ثم المراهقة، وصولا لسن الرشد. وتقدم البطلة «بيلا باكستر»، وهي امرأة طفوليَّة عنيدة تعيش تحت رعاية والدها الجرّاح «جودوين باكستر - ويليم دافو» الذي امتازت سلوكياته بأنها غير متزنة كما تُظهر لنا المشاهد، يجعل منها فتاة بعقل طفلة صغيرة تتعلم الكلام فقط، بينما مهاراتها الحركية لا تزال في طور التطور أيضاً، حتى تظهر لنا طيلة أحداث الفيلم وهي تمشي وتتحرك كالدمية أو الروبوت، في محاولة منها أن تتعلّم وتتعرّف على كل شيء.
كما ويضم فريق عمل الفيلم «الممثل الأميركي من أصل مصري رامي يوسف، وكريستوفر أبوت، وسوزي بيمبا، وجيرود كارمايكل، وكاثرين هانتر، وفيكي بيبردين، ومارجريت كوالي، وهانا شيجولا». «إيما ستون» التي تمارس دور «بيلا باكستر» لاحقاً، هي امرأة من طبقة المجتمع الراقي، والتي بعد انتحارها برمي نفسها من أعلى الجسر في النهر وهي حامل، يقوم جرّاح غريب الأطوار الذي تناديه «بابا» بعد ذلك إحياؤها لتصبح إنساناً عبر وضع مخ طفلها كبديل عن مخها.
فتبدأ «بيلا» التعلّم ببطء على كيفية التحرّك والتحدث والعمل في منزل الجرّاح وكأنّها مسجونة، يرفض خروجها أو أن تلتقي ببشر خشية عليها من الخداع والاستغلال، ولكن «بيلا» بقيت تتوق إلى العالم الخارجي، وبالصدفة يقنعها أحدهم بالسفر معه لتترك مسكنها وتغامر بالذهاب نحو المجهول، لتأخذنا عبر الفيلم في رحلة خيالية تدور أحداثها حول النمو والتحرّر الجنسي.
ما وجدته أكثر إثارة للاهتمام في الفيلم هو تصميم أزياء البطلة «بيلا»، التي بدت طفوليّة ومتنافرة الألوان، حيث تجمع بين الفساتين والقمصان ذات الأكمام الطويلة والبناطيل القصيرة.. ثيمة الأزياء بنظري هنا هي عميقة ولها تفسيرات مهمة تركز على طبيعة الفتاة وتغير مراحل إدراكها وتطور وعيها واستيعابها للعالم من حولها، إذ تتغير الألوان وكذلك التصاميم كلما تقدم لنا في مشاهدة أحداث الفيلم، وكأنّ الملابس هنا ما هي إلا وسيلة لإظهار النضج والحكمة والهدوء في التعامل.
في هذا المجاز الواسع من الخيال العلمي، تظهر شخصيات الرجال بأدوار كالمعلم والاهتمام بحب النساء، مما يقلل من قيمة المرأة وفكرها في محاولة للتأكيد على حقيقة أنّها كائن نمطي لا يمكنه النجاح أو العمل أو حتى تقرير المصير من دون الرجل.
بينما يحاول الرجال تعليم «بيلا» التفكير نفسه، فإنّها سرعان ما يتطور عقلها، الأمر الذي يثير إحباط الرجال من حولها.. فهي مع تقدم أحداث الفيلم تتخذ خياراتها الخاصة، وتصر عليها وتواجه أية اعتراضات لتكون أكثر تعليماً واستقلالية.