أزمة المشرَّدين في أميركا

منصة 2024/03/28
...

 كاليفورنيا: ايفون يؤارش

قد يتساءل الكثيرون. لما بلد كبير مثل امريكا ازدادت فيه أعداد المشرّدين بلا مأوى، حين نمعن النظر في الموضوع نجد أن كل بلد من بلدان العالم يعاني من المشكلة ذاتها إلا أن الامرَ اصبح واضحا وجليا في أمريكا بالذات بسبب الكثافة السكانية العالية وكثرة المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين مما سبب ذلك غلاء فاحشا في تكاليف المعيشة وفي مقدمتها تكاليف الإسكان. يقدر تقريرٌ حكومي جديد أن عددا قياسيا من الأمريكيين يعانون من التشرّد. تكفلت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية منذ عام 2007 بإرسال متطوعين من كل شهر يناير لإحصاء جميع الأشخاص الذين يمكنهم العثور عليهم والذين ليس لديهم مأوى وقد نوه الخبراء من أن هذا الإحصاء لا يعتبر تعدادا سكانيًا، ومن المحتمل أن يكون أقل من العددِ الموجود على ارض الواقع لأنه من الصعب إجراء ذلك.
لقد أحصي هذا العام أكثر من 650 ألف شخص من دون مأوى وهي زيادة بنسبة 12 بالمئة عن العام الماضي، وهي أكبر قفزة مسجلة لمدة عام واحد وأكثر من أربعة أضعاف أية زيادةٍ سابقة في الماضي، وقد تضمنت هذه الزيادة جميع الفئات (الأفراد والأسر والأطفال غير المصحوبين وما إلى ذلك).
وأوضحت آن أوليفا، الرئيس التنفيذي للتحالف الوطني لإنهاء التشرّد، أن «كل ما يحدث سببه مشكلة نظامية وامور يجب تغييرها وإصلاحها، بمعنى أن البلد يعاني من أزمة إسكان بأسعار معقولة، لأنه كلما ازدادت تكاليف الإسكان تقل قدرة الافراد على تحمل التكاليف، ومن ثم يزداد التشرّد، لذا فإن رؤية قفزة بنسبة 12٪ على أساس سنوي، يجب أن تكون بمثابة دعوة للاستيقاظ للعديد من الأشخاص، بما في ذلك الحكومة الفيدرالية، للقيام باستثمارات في الإسكان والخدمات بأسعار معقولة». وتابعت: ارتفعت الإيجارات بشكل كبير في جميع أنحاء البلاد ولا تواكب أجور الناس مبلغ الإيجار الذي يتعين عليهم دفعه، لذا فهم يدفعون المزيد والمزيد من دخلهم مقابل الإيجار. في الحادي والعشرين من شهر آذار من العام الجاري بدأت بعض الولايات وفي مقدمتها كاليفورنيا بإتخاذ الإجراءاتِ اللازمة بهذا الخصوص والتي تضمنت تمويل 11 ألف وحدة سكنية وأسِرة علاج بقيمة 6.4 مليار دولار، فضلا عن تخصيص مليار دولار للمحاربين القدامى المشرّدين وفقا لما صرح به مكتب حاكم كاليفورنيا.
يقول المعارضون إن: حاكم ولاية كاليفورنيا غَيفن نيوسِم لا يفعل ما يكفي لمنع الناس من أن يصبحوا بلا مأوى في المقام الأول، وإنما يكتفي بإنفاق مبالغ أكبر على الصحة العقلية.
قد يتبادر إلى الذهن سؤال مهم من هم المشردون: المشردون هم أفراد من ذوي البشرة الداكنة ومن الأمريكيين الأصليين. كما أن معدلاتِ التشرّد لدى الرجال والمحاربين القدامى أعلى من المتوسط في الولايات المتحدة. بالرغم من توفر الملاجئ المخصصة للمشرّدين إلا أن المشرّدين يرفضون الإقامة فيها للأسباب التالية: “مدةُ الإقامة في الملاجئ لا تزيد عن 90 يومًا- الخوفُ من العنفِ أو السرقة في ملجأ مزدحم- غيابُ عنصرِ النظافة ممكن أن يؤديَ إلى مشكلَات صحية- الشعورُ بعدمِ الأمان بشأنِ ممتلكاتهِم أو سلامتهِم الشخصية بسببِ عدمِ وجودِ جدرانٍ فاصلة أو أقفال في مأوىً مزدحم- الخوف من الانفصال عن حيواناتِهم الأليفة لأن الملاجئ لا تسمح بوجودِها- لا يرغب الأفرادُ المشرّدون في تركِ محيطهِم المألوف في الشارع كونه قريبا من وسائل النقل والمراكز التجاريّة.
فهم يشعرون بالراحةِ والأمان في هذه البيئة على الرغم من التحدياتِ التي يواجهونها، المساهم الرئيسي في التشرّد هو نقص المعروض من المساكن، وارتفاع قيمة المنازل. تلعب العوامل الشخصية والفردية، مثل المرض العقلي والإدمان، دورًا أيضًا في تفسير التشرد”.  ومع ذلك، فإنّ المرض العقلي والإدمان لا يعتبران سببا رئيسيا للتشرّد بقدرِ ما هي العوامل الاجتماعية والاقتصادية الهيكلية، حيث أن مدن الساحل الغربي مثل سياتل وبورتلاند وسان فرانسيسكو ولوس أنجلوس لديها معدلات تشرد خمسة أضعاف تلك الموجودة في المناطق ذات تكاليف الإسكان الأقل بكثير مثل أركنساس وغرب الولايات المتحدة. فرجينيا، وديترويت، على الرغم من أن المواقع الأخيرة لديها أعباء كبيرة من إدمان المواد الأفيونية والفقر.
وتشكل المضاعفات الصحيّة مصدر قلق كبير للمشرّدين، حيث أن عدم توفر السكن يعيق النظافة والحصول على الغذاء الصحي، ويعرض الأفراد لكل لظروف جوية سيئة. وهذا يسهم في زيادة معدلات الوفيات.
زيادة مستويات التشرّد، أثار قلق الجهات المعنية وخصوصاً في ولاياتٍ مثل كاليفورنيا ونيويورك وفلوريدا وواشنطن العاصمة وغيرها، أما الدوافع الرئيسية المتمثلة بنقص المساكن بأسعار معقولة وزيادة تكلفة المعيشة هي مصدر قلق أكبر لأنها تضر بالدرجة الأولى بذوي الدخل المتوسط المتمثلة بالطبقة العاملة كالمدرسين والعاملين في مجال التمريض والبناء أي الطبقة التي يعتمد عليها المجتمع بأكمله كونها الوحيدة التي تدير عجلة الحياة والاقتصاد.
فإن أصابها العجز وأدت بها الظروف إلى التشرّد فإن هذا يعني انهيار ثقافة مجتمع بأكمله.