أسامة حسن.. رمزَّية الطلاسم الفكريَّة

منصة 2024/03/31
...

 علي إبراهـيم الدليمي

للفنان أسامة حسن الذي من مواليد بغداد 1957، والحاصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة، مشاركات عديدة في جميع المعارض التي نظمتها دائرة الفنون في وزارة الثقافة، وجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، فمنذ أن بدأ مسيرته الفنية الطويلة، وهو لا يرتكز إلا على الجانب الجمالي في الحياة، رغم مرارة الحياة التي عاشها ما بين الظروف السياسية والإقتصادية الصعبة، وزجه في أتون حروب هو في غنى عنها، فرضت عليه وعلى الآف الشباب من جيله، ومن أجيال قبله وبعده.

هو فنان تفتحت عيناه على بيئته الزاهية، وصلب عوده وهو يهيم في أحضان الطبيعة وجمالها، وكأنه طير يحط ما بين الأشجار والأغصان، ولا يركن إلا وهو يعيش فصول السنة الأربعة.. بينها، بلوحاته المتنوعة.

فنان كالملاك الذي يفرش جناحيه في جو السماء.. ولكنه يحمل بين يداه، فرش، وألوان، وأقلام ملونة وورق رسم، لينثرها على بقاع الأرض في كل زمان ومكان، عندما يغيب الجمال من على الأرض.. فالأرض بالنسبة له ملاذاً أمناً للجميع، بل لا بدّ أن تكون للأمان.. ولا غير الأمان مهما كلف الأمر ذلك.

في بداياته الفنية، تأثر كثيراً بأعمال العالمي بيكاسو، لا من أجل شهرته، ولكن أعماله التي ترتقي إلى عالمه الميتافيزيقي، لقد حاكى وتأثر بأعماله في جميع مراحله التي خاضها بيكاسو، وآخرها لوحة (الجورنيكا) التي دخلت في ضميره قبل أن تترسخ في عقله.ولم يكن فنانو العراق الرواد وما بعدهم بعيدين عن متناول وتأثيرهم في موهبة الفنان أسامة حسن، بل تأثر بالأعمال الإنطباعية والواقعية، للفنانين فائق حسن، وحافظ الدروبي، التي ترسم بفرشاة الأكاديمية الصرفة.. في الاستلهام الموضوعي، واللون، والإنشاء، والتكوين... إلخ.. وحتى هذه اليوم، فضلاً عن تجربة الفنان ضياء العزاوي، التي كانت بمثابة معين لوني أخر، لأسامة، في نصاحة ونظافة الألوان وتضاداتها التي لها سمة وخصوصية متقدمة ومتميزة.

كما كان ارتياده وزياراته المتكررة، منذ صباه، لقاعات العرض الفني، المنتشرة في بغداد، وقتذآك، دوراً مؤثراً وهو يكتسب دافعية وطاقة فنية متجددة، لتتسع عنده الرؤية الفكرية والفنية معاً، خصوصاً عندما كان يحمل أوراقه وأقلامه وهو يستثمرها في محاكاة ما يشاهده من روائع التشكيل العراقي.

حاول، أسامة في أوقات كثيرة الاستفادة القصوى، من تجربة الفنان المتصوف شاكر حسن آل سعيد، في أثاره الإبداعية وجديته الفكرية، التي سلطها على المشهد التشكيلي بامتياز داخل العراق وخارجه. في كلية الفنون الجميلة، كان للفنان الراحل محمد صبري أثره الفني الطيب في مسيرة أسامة، وزملاؤه من الطلبة الآخرين، حيث كانت السفرات المستمرة إلى نواحي بغداد الريفية الجذابة بالوانها وزهوها، لغرض رسمها، دوراً مهماً ودافعاً للعودة إلى لغة اللون، والأفق، أو المنظور، والكتل والزوايا.. وغيرها، ولكن هذا لم يعفِ أسامة، من الرسم التجريدي، حتى وهو يرسم الطبيعة، مثلما لم يعفه من الرسم التعبيري الإنساني.. فكانت لوحاته صياغة مركبة من اللون والخط والاستلهام والإنشاء، والخامات المتنوعة، والطرح الفكري والجمالي، الذي يعتمد أصلاً على الثقافة والوعي.. والإبداع.

يشتغل اسامة على أربعة محاور رئيسة، وهي:

أولاً: المنهج الانطباعي وكان يمتاز فيه بلغة أكاديمية صارمة، في لوحاته الانطباعية، والخيول، والبورتريت، التي رسمها بالأسلوب المدرسي.

ثانياً: المنهج التعبيري وهو ما طرحه من أفكار إنسانية مختزلة جداً، حيث وجه أو رأس الإنسان، الذي يعتبر بوصلة القيادة لجسمه ونهجه الأساس في الحياة.

ثالثاً: المنهج التجريدي وهو اختزال فني رائع جداً، على مفردات لوحاته الانطباعية، أراد من ذلك أن يقدم أعمالا ذات مجس لوني متباين ومتقارب ومتبادل، وفق رؤيته ما بين الرسم الأكاديمي والتجريدي.

رابعاً: المنهج المعاصر  وهي أعمال تتسم بالتضاريس اللونية “الرمزية” المتموجة والمتداخلة، تنحو إتجاه الطلاسم الفكرية، بمفهوم رمزية الألوان نفسها، والمتجانسة كيميائياً وفكرياً مع بعضها البعض. هي ليست الغموض التام، ولكن هي بعض من تاريخ حياته، حيث الحروب اللعينة والأحداث القاسية، منذ العقد الثمانيني، وما تزال، وقد كونت لديه، أو بلورة عنده، “ملكة فنية- فكرية” تخرج من دون أن يدري، كرسوم الأطفال العفوية.

الفنان لا يريد ان يعطي ملمح أو ملمس محلي خاص في جميع أعماله، بقدر ما يكون العمل نفسه وليد مكانه وزمانه وماهيته للجميع، دون تصنيع أو تكليف أو نقل واقع بعينه، بل يريد من المتلقي أن يتأمل برؤيته الفكرية، لاستنباط واكتشاف نتائج جمالية وموضوعية، قد يكون الفنان نفسه غافلاً عنها، فوصول القمة المحلية أو العالمية في الفن تأتي أحياناً من قمة جمال الخط واللون معاً، والتميز في طرح المنجز العام، وهو ما يرجوه المبدع في مسيرته الفنية.