علي حسن الفواز
يبدو أنَّ أوروبا ستدخل حربَ الدفاع عن "الهوية" وستفتح جبهاتها الشرقيَّة طلباً للرأسمالي الديمقراطي الكبير في الولايات المتحدة، الذي يحرص على الدفاع عن تلك الهوية السياسية والثقافية، وحماية منجزاتها في أسواق الأسلحة والهامبرغر والأزياء والسينما.
الصراع في أوكرانيا هو بيت البارود، أو "صندوق بندورا" كما الأساطير الإغريقية، إذ ستخرج منه أشباح تلك الحرب، وعلى نحوٍ يتجاوز التاريخ الطويل لـ"الحرب الباردة" ذات المزاج الإيديولوجي، لأنَّ ما يجري على تلك الجبهات الشرقية يكشف عن معطيات معقدة يشتبك فيها السياسي والأمني والهوياتي، فالرئيس الروسي بوتين من سلالة ستالين، وليس من أبناء غورباتشوف، وهذا التوصيف يجعله أكثر جرأة في تحويل العداء لروسيا إلى حرب مفتوحة، مقابل ذلك يصدق الأوروبيون بالحكواتي الأميركي، وأنَّ تورطهم في الحرب سيكون إعلاناً للدفاع عن سلالات الرجل الأبيض في الغرب الرأسمالي.
ما أطلقه رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك، يكشف عن الاستعدادات الخفية لهذه الحرب، فقوله إنَّ أوروبا تعيش "حقبة ما قبل الحرب، وإنها لم تعد مفهوماً من الماضي، لأنها حقيقة، وقد بدأت منذ أكثر من عامين. والأمر الأكثر إثارة للقلق حالياً هو أنَّ أي سيناريو ممكن الحدوث. لم نشهد وضعاً كهذا منذ عام 1945"، يكشف عن هذا السياق، وأنَّ "صناعة العدو الثقافي" ستكون بالنسبة للأجيال الجديدة من الأوروبيين، بمثابة فتح مقابر جديدة، لأنَّ هذه الحرب تعني فعلاً "نهاية التاريخ" لكن ليس على طريقة "فوكاياما" لأنَّ الجميع سيجد نفسه عاجزاً عن كتابة تاريخ جديد.
الدفع باتجاه الحرب، لاسيما بعد حادثة العمل الإرهابي في موسكو، والاتهام الروسي لأوكرانيا بالضلوع فيها، سيكون نوعاً من التهديد بأنَّ الحرب ضد أعداء روسيا أصبحت واقعاً، وهذا ما يجعل الأوروبيين يعمدون إلى الدفاع عن أوكرانيا، والذهاب إلى أقصى المغامرة، لاسيما بعد تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون بإرسال الجيوش إلى الجبهات، وهو ما وجد رفضاً من الكثيرين، لأنهم يدركون أنَّ الحرب مع روسيا "ليست نزهة" وأنَّ الرئيس بوتين ليس "دون كيخوتا".
الخوف من الخسارة في أوكرانيا، هو ذاته الخوف من نهاية "الأمن الرأسمالي" لأنَّ هذه الخسارة ستجعل الأوروبيين تحت سطوة الإمبراطور الجديد، وهذا ما يدفع إلى التسريع بضرورة صناعة "المتاريس" عبر الدعم المُسلّح والمفتوح لأوكرانيا، رغم الخشية من عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية، والذي لديه حساسية مختلفة عن خيارات الرئيس الحالي بايدن في النظر إلى فكرة الحرب مع روسيا، وإلى لعبة صناعة العدو.