{المشتهاية}.. أكلة رمضانيَّة تدعو للتكافل والإنسانيَّة

منصة 2024/04/01
...

 إبراهيم هلال العبودي

من الموروثات الشعبيّة القديمة التي يحرص الناس على توزيعها في شهر الصيام وهي ما تسمّى بـ (المشتهاية)، وهناك أكلات خاصّة كانت وما زالت توزع في شهر البركة، وما زال بعض الناس في ليلة الـ 19 من هذا الشهر يعدون ويجهزون طعاماً من الرز والماش ومعه شيء من اللبن (الروبة) ويسمونه (مشتهاية الإمام علي) ثم يقومون بتوزيعه أو تناوله غاية في نيل الثواب من الله "عزوجل"، وذلك إحياء لجرح الامام عندما ضربه أشقى الاولين والآخرين الملعون عبد الرحمن بن ملجم المرادي بالسيف المسموم على أم رأسه الشريف، وعندها نادى الامام "روحي له الفداء..  فزت ورب الكعبة"، ونادى جبريل "عليه السلام" تهدمت والله أركان الهدى.
 وهذا الأمر قد يكون متوارثاً عند بعض الأسر ولا بدّ من الكشف ان هذا العمل لا أساس شرعياً له، بل هو تقليد عرفي اجتماعي، فالامام لم يشبع قط من خبز الشعير، فكيف له أن يشتهي من الطعام ما لذ وطاب في حياته اليوميّة وقوله مشهور (اكتفيت من دنياكم بقرصين وطمرين).
ما ورد في بعض الكتب المعتبرة عن السيدة زينب الملقبة بأم كلثوم بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام)، قالت: لما كانت ليلة التاسع عشر من شهر رمضان قدمت إلى أبي عند افطاره طبقاً فيه قرصان من خبز الشعير وقصعة فيها لبن وملح جريش، فلما فرغ من صلاته أقبل على فطوره، فلما نظر اليه قال: يا بُنيَّة، أتقدمين لي لونين في طبق واحد، تريدين أن يطول وقوفي غداً بين يدي الله تعالى!، أنا أريد أن أتبع أخي وابن عمي رسول الله (صلى الله عليه واله) فإنه ما قدم له أدامان في طبق واحد الى أن قبضه الله تعالى.
وعلى كل حال، فإن تلك الطقوس وأن كانت بعيدة عن حقيقة أن يكون الإمام قد اشتهاها وطلبها، بعد أن بحثت كثيراً عن حقيقة هذه الطقوس، ولم أجد ما يشير إليها، إلا أنها عادة قديمة وما زالت في بعض المناطق الشعبيّة، فاذكر عندما كنا صغارا تتحضر الحاجة لهذا اليوم، فتقوم بشراء الحاجات المطلوبة لهذه الليلة قبل أيام لتقديمها بشكل مقبول الى الاهل والجيران مع البعض من كاسات (الروبة).
للتوضيح فقط.. إنها ليست مشتهاية لأن الامام علي عليه السلام في حياته كلها لم يشتهِ شيئا، لكن الحكيم (الطبيب) وصف للامام الماش؛ لأنه يعوض الدم الذي نزفه الامام، واللبن؛ لأنه يخفف من السم الذي كان موجوداً في جسد الامام، على الرغم من أنه ما من مصادر تؤكد أن الإمام علي (ع) اشتهى فعلاً هذه الأكلة، إلا أنه تقليد اعتاده الناس قديماً، واستمر حتى جيلنا الحاضر.
ويتداول الناس أيضاً، قصصاً عن طلب الإمام علي، طبق الرز مع الماش، بعد جرحه؛ ولذا ما زالت أسر عراقيّة كثيرة، تطبخ الطبق وتوزعه للمواساة، وأطلق العامة اسم "المشتهاية" على أن هذا الطبق للاستذكار، وفيه شيء من تراث وذكريات أيام رمضان الجميلة، التي عشناها خلال العقود الماضية حيث البساطة والعادات التي تُقرّب الأُسر. فهي نوع من التكافل الاجتماعي، إذ ترى الأسر تتبادل تلك الوجبة في وقت السحور، فيما بينها تقصد منها نيل الثواب والإحسان. فتجد اغلب الناس وعلى بساطة تلك السفرة المقدمة، تعيش التكافل الذي يحمل روح الإنسانيّة، التي دعا إليها الامام علي (عليه السلام) وأراد تحقيقها عند المسلمين، فبقي الإمام علي (عليه السلام) يعاني من ضربة المُجرم ابن ملجم ثلاثة أيام، عَهد خلالها بالإمامة إلى ابنه الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام). وطوال تلك الأيام الثلاثة، كان الإمام علي (عليه السلام) يلهَجُ بذكر الله، والرضا بقضائه، والتسليم لأمره.