أحمد بشي 

بلغت الأحصائيات الرسمية بعدد الحرائق لعام 2023 في العراق والتي تجاوزت حاجز الـ(21) ألفاً، تعكس خطورة مثل هذه الحوادث، والتي تستدعي بحسب مراقبين، تشديد إجراءات الرقابة وخطوات استباقية تكبح هذه الظاهرة التي باتت تشكل خطراً على سلامة المواطن وأمنه، وتسبب خسائر مادية في الأملاك العامة والخاصة.

أرشيف سابق

المواطن أبو علي من سكنة إحدى القرى في جنوب شرق بغداد والتي يطلق عليها بـالـ(كرفانات) قال في حديثه لـ(الصباح)، إنَّ "أغلب الساكنين في هذه الكرفانات تكون حياتهم معرضة للخطر، ففي الصيف الماضي (5) منازل كانوا ضحية احتراق سقوف الساندوتش بانل بسبب تماسٍ كهربائي، وسرعان ما أخذ لهيب النار يطوق منازل الساكنين واحداً تلو الاخر، ورغم تدخل رجال الدفاع المدني لكنهم لم يتمكنوا من إخماد النار، وتكون حصيلتها خسائر مادية وليست بشرية، وهذا السيناريو يتكرر في كل عام وسط غياب شروط السلامة والأمان من قبل الأهالي تارة والجهة الحكومية المالكة لهذه الأرض والكرفانات تارة آخرى".

ومع الحديث عن مخاطر الحرائق بسبب تشييد المباني باستعمال الساندوتش بانل، يتبادر إلى الأذهان حادث حريق الحمدانية العام الماضي، الذي التهم قاعة الاحتفال، وأوقع عشرات الضحايا بينهم نساء وأطفال.

بيئة آمنة

وتبلغ إحصائيات الحرائق لعام 2023 حدود (21000) حادثة فعلية عدا أجيج الحشائش والنفايات، الا أننا نلاحظ انخفاضاً كبيراً للحرائق مقارنة مع الاعوام الماضية. 

اللواء الحقوقي محسن كاظم علك مدير عام مديرية الدفاع المدني بدأ حديثه لـ(الصباح) بأَنَّ "المديرية تمتلك حزمة من الخطط لمنع وقوع الحرائق عبر قيام ضباط المراكز بإجراء الممارسات الموقعية على جميع المنشآت، حيث بلغ عدد الكشوفات الميدانية للقطاع الحكومي (70,000) والخاص (116,500) مشروع لتثبيت متطلبات السلامة وحسب صنفه وأهميته، وأقامت دورات موقعية لفرق الحماية الذاتية في المشاريع على أعمال الدفاع المدني، إضافة إلى توعية شرائح المجتمع بعقد ندوات وقائية مع طلبة المدارس". مشيرا الى أن "إحصائيات الحرائق لعام 2023 بلغت بحدود (21000) حادثة فعلية عدا أجيج الحشائش والنفايات، ونلاحظ انخفاضاً كبيراً للحرائق مقارنة مع الاعوام الماضية، دليل على نجاح الإجراءات الاستباقية للمديرية ومحاسبة المخالفين للتعليمات عبر جلسة الفصل حسب قانون الدفاع المدني رقم (44) لسنة 2013 وفق المادتين (20) (21)". منوها بأنه "قبل وقوع حادثة الحمدانية كانت القرارات على مستويات عالية من قبل الامانة العامة لمجلس الوزراء وديوان الرقابة المالية ووزارة الداخلية بمنع استخدام المواد الخطرة في تشييد المباني وإزالتها".

ويضيف" أن "أبرز التحديات التي تواجهنا، هو عدم تنفيذ الملاحظات التي تثبت من قبل لجاننا بحجة قلة التخصيصات المالية كمعوق في تنفيذ التوصيات، وشيوع البناء بالساندوتش بانل والآلي كابوند في بناء وتغليف الواجهات، وانتشار "الجنابر" والبسطيات والمخازن الكبيرة في الأسواق التجارية والمناطق السكنية دون علم رجال الدفاع المدني يعتبر معوقًا لفرق الطوارئ بالحركة والمناورة، وكثرة ربط الأسلاك الكهربائية العشوائية والتجاوز غير القانوني أيضا".

ثورة ٌتثقيفيَّة

ويعتبر تطبيق معايير الجودة والسلامة في العراق خطين يسيران في اتجاهين متضاديّن، هذا ما أكده المهندس المدني علي جليل. 

فيما أوجز جليل، الأنواع المستخدمة في تغليف الأبنية، بنقطتين موضحا: ان الأولى وهو غالي الثمن ويكون غير قابل للاشتعال، والثاني الرخيص ويكون عكس الأول، ويعتمد على عنصر الكلفة ونوع الاستخدام، حيث أن أكثر المواد اشتعالاً هي السقوف الثانوية وأوراق الجدران، وأخطرها الساندوتش بانل، المكون من الواح الصاج المحشو بالمادة العازلة التي تتحول عند الاحتراق من عازلة إلى غاز سريع الاشتعال، إضافة إلى مكونات مواده الخفيفة والمركبة المحاطة بطبقتين من الصاج أو الألمنيوم ولكلا الجانبين".

يؤكد جليل، أَنَّ "معالجة المشكلة تكمن عبر حدوث ثورة تثقيفية في مجال العمران لجميع المواطنين الذين يرممون بيوتهم، على اعتبارها مواد جمالية رديئة جداً، وسعرها يعادل سقف العقادة، وتوعية الأيادي العاملة والمهندسين المنفذين الذين يرشدون الناس ضمن واجبهم الإنساني قبل المهني، ومن المفترض وجود رقابة مسبقة من قبل الجهات المعنية أثناء تشييد الأبنية".

وعلى صعيد متصل، أشار جليل إلى، أَنَّ "تقييم المخاطر وتخطيط السلامة أول خطوة حاسمة لضمان سلامة موقع مشروع البناء، لكن يحزنني القول بأن تطبيق معايير السلامة والجودة في العراق يسيران في اتجاهين متضادين، وكُتِبَ لهما ألّا يلتقيا أبداً بسبب وجود شركات ركيكة منفذة للعمل".

خطرٌ لكن يفي بالغرض

الخبير في الشأن الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش أوضح في حديثه لـ(الصباح)، أَنَّ "مادة الساندوتش بانل والفوم وغيرها من المواد سريعة الاشتعال، والتي تم استخدامها في البناء بدأ من فكرتين، فالفكرة الأولى هي عدم استملاك الأرض واستثمارها للدولة، أما الثانية فأن الأرض متجاوز عليها من قبل الأشخاص، لذلك لا يضع عليها استثمارا سكنيا بمبالغ مرتفعة، لذا يلجأ إلى نظرية الساندوتش بانل على اعتباره يفي بالغرض، ولكنه له فترة محددة نتيجة لأسباب اقتصادية".

وتابع حنتوش "لذلك أصبحت عملية استبدال الساندوتش بانل بمواد آخرى مركبة وغير مكلفة وأكثر امانة كالجبس بورد وغيرها من المواد".

رقيبٌ دائم

وزارة الأعمار والإسكان بدورها وضعت خطط بصدد إعداد مسودة قانون البناء والتشييد العراقي الموحد لغرض تنظيم العملية البنائية في البلد، اذ يبين المتحدث الرسمي باسم وزارة الإعمار والإسكان استبرق في حديثه لـ(الصباح)، أَنَّ "للوزارة دورًا فعالًا عبر إلزام جميع الوزارات والجهات القطاعية بالعمل، وفق المدونات والمواصفات العراقية الهندسية في جميع المشاريع، بموجب إعمام الأمانة العامة لمجلس الوزراء رقم (41059) لسنة (2017)، حيث التعليمات التي تعطى لمقدمي العطاءات في وثائق المناقصة جعلت دائرة العقود في وزارة التخطيط تُعَدْل ضوابط رقم (1) (2) لسنة 2014 وإضافة بند، ينص على أَنَّ جميع التصاميم المعدة للمشروع والمواد وطرائق التنفيذ بجميع أشكالها وفق ما تنص عليه المواصفات الفنية العراقية، ولا يجوز الاستعانة بالمدونات غير العراقية إلا في بعض الحالات والمواصفات.

وأضاف صباح، بأن "لدى الوزارة لجانا تفتيشية تقوم بزيارات لملاحظة مدى تطبيق معايير السلامة في الأبنية التابعة، لجميع الوزارات وتشكيلاتها وتقديم التوصيات اللازمة، ومسؤوليتنا هو تنفيذ المشاريع المنوطة بنا في البرنامج الحكومي بالتشاور مع المحافظات (مشاريع اتحادية)، من موازنتنا الاستثمارية، لكن الجهات القطاعية كأمانة العاصمة والدوائر البلدية ومديرية الدفاع المدني مسؤوليتها سلامة الأبنية، وأَن الوزارة بصدد إعداد مسودة قانون البناء والتشييد العراقي الموحد، لغرض تنظيم العملية البنائية في البلد".

توصيات

وتقوم مديرية الدفاع المدني بإجراءات عديدة في بداية كل صيف من السنة تبدأ من توعية وملاحقة المخالفين لقانون الدفاع المدني رقم 44 لسنة 2013، وضرورة الالتزام بوصايا وإرشادات الدفاع المدني لضمان انخفاض مستوى الحرائق، وتوفير متطلبات الدفاع المدني، وأبسطها مطفأة الحريق، خصوصا أن ارتفاع درجات الحرارة تعد عاملاً مساعداً للحرائق لاسيما عندما تكون درجات الحرارة عالية تصل إلى عتبة الخمسين درجة مئوية كما هو الحال في العراق، إذ كلما ارتفعت درجات الحرارة زادت الحرائق. يشار الى ان العراق سجل حرائق متكررة في المباني الحكومية والمنشآت الخاصة خلال فصل الصيف السابق، حيث ارتفع عددها الى اكثر من 19 ألف حادث حريق في عام 2023، مما اثار القلق حول إجراءات الوقاية التي تعهدت وزارة الداخلية اتخاذها قبل نحو ثلاثة أعوام بعد سلسلة حرائق طالت أسواقاً ومستشفيات ودوائر مختلفة، وتسببت في سقوط عشرات القتلى والجرحى.