الفلسفة وطبيعة التفكير

منصة 2024/04/02
...

 كاظم لفتة جبر 

يعرف أن الفكر هو المعرفة التي يكونها الإنسان عن موضوع معين أو من دونه، إذ إن وجود الموضوع بوجود الفكرة، هذا هو التفكير الاعتيادي للإنسانية، أما وجود الفكرة من دون الموضوع فهو التفكير الإبداعي، والإبداع نوعان؛ إلهي من عدم، وإنساني من شيء.

وتُرسم ملامح الفكر الاعتيادي أو الضروري للحياة اليومية بيد الثقافة والمجتمع والدين والسلطة، وهو لذلك يكون مقيد بإطار يحتوي المعاني الثقافية لكل مجتمع، لكن الفكر الحر أو الإبداعي يرتبط بذات الإنسان وهو يعتمد على الخيال وتصورته في بناء المواضيع وخلق الأفكار. 

فالفرق بين المجتمع المتقدم والمتأخر، هو في طبيعة تناول الفكرة وعرضها، أمَّا يكون عن طريق الفكر الاعتيادي وهو خاضع لمقيد الثقافة والعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعيّة أو سلطة العقل الديني، فتذوب الفكرة في تشابك أوتار الثقافة المقيدة، وهذا شبيه ما تجده من تناول الأفكار في المجتمع الافتراضي بمنصات التواصل الاجتماعي. لذلك لا تتقدم هذه المجتمعات، لأنها تعيش الوهم. 

أمَّا إذ كان عن طريق الفكر الإبداعي فيفسح المجال لحرية الفكرة لكي تتطور وتثمر. وكل ذلك التفاوت بين الشعوب سببه ليس الفرد أو المجتمع، بل طبيعة أو أسلوب تناول الأفكار والمعرفة.

الغرب عادةً يخضعون الأشياء للعقل، أمَّا الشرق فيخضعون الأشياء للعاطفة، الأفكار مع الغرب تخضع للملاحظة والتقييم العقلي لذلك تتطور وتثمر، أمَّا الأفكار مع الشرق فتخضع للشعور والعاطفة والإحساس، لذلك تجدها غير مثمرة، لأن الشعور الفردي يتحكم فيها. فتجد الشرقي يعمل مع فورة الدم والشعور وبعدها ينتهي، فيكون سهل التحكم به من قبل الغير. فأغلب بلدان الشرق وخاصة العرب متحكم بها وليست حاكمة. 

إذ إنَّ الفرق واضح بين الأمم من حيث طبيعة تقدمها وتطورها من جميع النواحي، ويرجع ذلك من حيث المنهج الذي تربى عليه الأفراد، أمَّا أنْ يكون موضوعيا أو ذاتيا، وكل منهج يتسم بسمات يصطبغ به الموضوع الخاضع للنقد والتمحيص والفهم. فالفهم إذا كان موضوعيا فهو عقلي، أمَّا إذا كان ذاتياً فهو شعوري. 

فكل أمة لها منهجها الخاص في استثمار الأفكار وتعليمها، ففي الفكر الفلسفي يتسم الأمريكيون بالمنهج العملي النفعي، أمَّا الإنكليز بالمنهج التجريبي، والألمان بالمنهج الروحي، والفرنسيون بالمنهج العقلي، والروس بالخيال، أمَّا العرب فيتصف بالمنهج العاطفي القومي. كما أنَّ لكل عصر منهجه الخاص الذي يميزه عن باقي العصور الأخرى، فالعصور الأولى روحانية وسحرية، لأن حضارات الشرق كانت متقدمة، أمَّا مع اليونان فيما بعد كانت الحضارة عقلية، وفي العصور الوسطى تميزت بارتباط الفكر بالدين، سواء كان مسيحيا أو مسلما، والعصور الحديثة عصر العلم والصناعة والاكتشافات العملية والأفكار التي غيرت مجرى تاريخ الانسانية، أمَّا المعاصر فهو العصر الرقمي. فالفكر الإنساني له حركتان مثل الأرض الأولى حول الأمم وتسمى بالتاريخ تعتمد على مجموعة عوامل سياسية أو اقتصادية أو دينية أو حروب، أمَّا الثانية حول نفسه وتسمى الحركة التقدمية وابطالها أشخاص مبدعون. 

لذا فإن ما يميز الفلسفة كفكر هو أنّها ليست تاريخاً، بل حركة تقدمية تؤمن بالنقد وتقبل بالتعددية والاختلاف، وتخضع كل شيء لحكم العقل. لكن هل يمكن أن تتخلص الفلسفة أو الفكر التقدمي من حركة التاريخ؟. 

يرى عالم النفس كارل يونغ عبر نظريته النقدية التي أسماها باللا وعي الجمعي أو اللا شعور الجمعي أنَّ الإنسان يحتفظ وراثياً بمعارف ما قبل التاريخ، وكما هو معروف لكل أمة طبيعتها وثقافتها وأسلوبها، وهذا ينطبق على الفلاسفة عبر تاريخ الفكر الفلسفي. لذا لكل أمة فلسفة تتصف بثقافتها، لأن الفيلسوف ابن بيئته والمسائل التي يطرحها لغرض المعالجة تخص مجتمعه، ولكن ما يميزها أنها شمولية وتناقش القضايا الكبرى للإنسانية في كل العصور. فالفلسفة لا تموت كونها فكرا كُليا ومُتجددا ومرنا في كل زمان ومكان، وتاريخها قائم على النقد والتمحيص وإعادة الفهم وفقاً لمتغيرات كل عصر ومجتمع. 

الفلسفة نقد داخلي لتاريخها وهو يقوم عليه التفلسف، وخارجي تتأسس عليه النظرية الفلسفية للعصر. فالأول لعامة المتفلسفين، أمَّا الثاني للفلاسفة.