أطباق الإنسانية في شهر الصيام

منصة 2024/04/03
...

 بغداد: نوارة محمد

تبادل أطباق الطعام بين الأسر في شهر رمضان، عادة يحرص كثيرون على ممارستها، ورغم مرور السنوات، وتبدل الأذواق، وسهولة الحصول على الطعام إلا أن هذه السلوكيات لم تنته، وبقي هذا التقليد راسخا باعتباره موروثا اجتماعيا وتحديدا في شهر الصيام.
يقول الباحث في الفولكلور الدكتور علي حداد إن “هذه القيم التي يحرص المجتمع على أن تتدفق للأجيال اللاحقة عبر تراثها الذي تتركه تعبر عن روح الجماعة وطريقة تفكيرها، وتغلب عليها النزعة الإنسانية، وهي أيضا تنظم علاقاتها في ما بينها ومع جوارها، وأخص بالذكر تقليد تبادل أطباق الطعام الذي يجسد جزءا التلاحم المجتمعي الإنساني، وفي العودة الى تاريخ هذه السلوكيات نجد أنها ليست وليدة اللحظة إنها واحدة من الموروثات، التي تتدفق كطقس مجتمعي عبر الأجيال غير خاضع للتحولات الاجتماعية والسياسية”.
من جهتها، تقول امينة الراوي إن “صعوبة الحياة الحديثة وارتفاع سعر الدولار مشكلات لم تقف عائقاً أمام استمرار هذه العادة الرمضانية التي لا تقتصر على أناس بعينهم، بل يؤكد الجميع من خلالها على العطاء والتضامن”.
وتُشير إلى تردي الوضع الاقتصادي العام الذي تمر به البلاد، وارتفاع سعر المواد الغذائية أثر بشكل مباشر على طريقة عيش حياة الكثيرين من أصحاب الدخل المحدود، لكن هذا لم يؤثر على استمرار هذه العادات وتبادل الطعام. وتتابع أن “البعض يرى التحولات المستجدة التي تتجه نحو الانغلاق والعزلة، وتغير شكل المدينة صار عائقا أمام استمرار عادة تبادل اطباق الطعام بين الأسر في الآونة الأخيرة حتى أصبحت تمُارس بدافع التصدق وهي تقتصر على إعالة الأسر الفقيرة فقط”.
في المقابل، يقول الباحث خالد كريم حنتوش: غالبا ما أشعر أن رمزية المشهد ترتبط أكثر في الأحياء السكنية العتيقة المعروفة بنمطها العمراني الذي يتميز بتقارب البيوت والتصاق المباني، والشكل العمراني الموروث عن الحقب التاريخية القديمة هذه الممارسات أخذت نصيبا من التغير الاجتماعي هي الأخرى، وبدت مقتصرة على أصحاب الطبقة الوسطى، أو إنها تمُارس بدافع التصدق إلى الأسرة الفقيرة.
ويرى حنتوش أن تحولا كبيرا حدث في المزاج العراقي في الوقت الراهن ويضيف: لقد غادرتنا الأجواء الاجتماعية القديمة التي باتتْ توصف بأنها كانت بسيطة، أو بريئة، اليوم تغير طابعها الاجتماعي المألوف الذي عُرِفَتْ به سابقاً، وبدأتْ تنحدر تدريجياً نحو عوالم العولمة وظاهرة تبادل الاطباق التي تسبق أذان المغرب أصبحت مقتصرة لمن يعانون ظروفا صعبة ويحتاجون إلى اهتمام الآخرين بهم ومساعدتهم.  
بعض ربات البيوت تّصر على التمسك بالعادات الاجتماعية المتبقية، وتوريثها للأجيال الصاعدة، وتقول أم أحمد، وهي واحدة من النساء اللواتي يمارسن هذه العادة منذ زمن بعيد، “ورثت عادة توزيع الأكل عن والدتي ورغم تغير الظروف الاجتماعية والتقدم التكنولوجي، إلا إننا لا نزال محافظين على هذه المشاهد في الأحياء السكنية”. وتتابع: اعتدت منذ صغري على رؤية طبق أو طبقين على الاقل على المائدة من الجيران وبالمقابل أنا أرسل أطباق الاكل إلى جيراني. هكذا نشعر أن الحكاية مستمرة والحياة آمنة وجميلة.