نادراً ما نجد عراقيا لا يطالب بالإصلاح، ولكن المشكلة لا تتعلق بكثرة الأحاديث، وإنما باختلاف المفاهيم والآليات وتعريف الفساد والإصلاح.
كم مرة نصدق خطابا سياسيا في ظاهره أنيق، وباطنه فساد واحتيال عميق، ولا ينفي وجود التساؤلات والمتاهات التي أخذت العراق الى فوضى الخطاب، وتعمد تعطيل المؤسستين التشريعية والتنفيذية، أما لإبعاد الشبهات عن ساحتها، أو ترميم مشهد الانفلات وتهيئة بيئة لنمو طفيليات السياسية، وتطفل من اللاسياسيين.
لم تتوقف المناداة بمحاربة الفساد والدعوات للإصلاح، بل تعدى ذلك الى إشتعال صفحات التواصل الاجتماعي بتوصيات سياسية، ولكن مجمل رسائلها مغالطات لتعميم الفساد، وضياع تبني الإصلاح، بين فاعلية القوى السياسية ومصداقية عملها، وبمواجهة كم من المعلومات المظللة التي خلطت الحابل بالنابل وأحرقت الأخضر
واليابس.
ربما كنا نعتقد أن الأصوات ستهدأ ونعود للحديث البناء بعد هدوء أزيز الرصاص، والاستفادة من التجربة التي اختلط بها الدم العراقي، أو الهدوء في حضرة الشهداء والدماء والتضحيات الجسام، ولكن بعضها أراد أن يشعلها معركة بديلة، وجزءاً من محاور الحرب التي يخوضها العراق وربما نقولها حربا على الإرهاب، ولكنه نتيجة للفساد والخلافات السياسية، ودفع الدولة للانهيار، بسبب تعطيل سلطاتها وقوانينها، وتفكيك مجتمعها، وتوقف مؤسساتها في أداء
دورها.
سار التعطيل المتعمد بشقين، أولهما لعمل مجلس النواب والتشكيك بقدراته، وبما يعني ضرب الركيزة الاساسية للنظام السياسي، والتشكيلة الحكومية أو عملها، ويعني إيقاف حركة البلاد، وأن اراد طرف بالتحرك تجاه الإصلاح أو برنامج محدد، سعى الطرف الآخر لوضع العراقيل والشكوك، وهنا وصل الحال لعدم اكتمال اللجان البرلمانية، ولا الكابينة الحكومية، والمواطن نفد صبره من التصريحات وتوقع أسوأ
الاحتمالات.
تأثر المواطن بتلك المشاحنات والخطابات، التي تروج يوميا، ولم تعد مطالبه لوحدها ضاغطة وفاعلة في ظل تناحر سياسي على أبسط التفاصيل، وإبتعاد واضح من معظم القوى السياسية عن لغة التعقل والتبصر، ودراسة الكلام قبل الحديث به، وقبل القيام بأفعال معظمها غير مدروسة، وهذا يتطلب بث روح التسامح والحديث الهادئ، والإبتعاد عن التسريبات، التي أصبحت في متناول المجالس الخاصة الشعبية، ومحبطة لكل خطوة يمكن أن نتوقعها من جهة سياسية.
إن محور الهدوء، جزء من تصالح مع الشعب، ولابد أن يبدأ من البرلمان، وهنا لابد أن يرى المواطن برلماناً كامل النصاب، متبنيا لخطاب يتحدث بلغة الجماهير التي تروم الإصلاح والإبتعاد عن الخلافات، وأن تبطن القوى السياسية ذلك الإصلاح قبل أن يظهر بخطاباتها، وعلى قادة الكتل تهيئة الأجواء الهادئة، وردع من يخالف الخطاب العام، وإيقاف الخطاب الذي يعتمد التسقيط والتشويه، لكي تفهم بعض القوى ما يريد أن يقوله الطرف الآخر، وإلاّ في الضجيج لا صوت يتضح ولا يسمع، وربما أعلاه أكثرها ابتعاداً عن الحقيقة.
لا طرف خاسرا في حال جلست القوى السياسية في مجلس حوار هادئ، وربما الخسارة هي ما تبقى من العراق سيضيع بضجيج الأصوات وعلو من أكثرها فقدان للمصداقية، وكل الأطراف السياسية معنية، وبالهدوء نتخلص من الخطاب التحريضي، الذي تارة يطال القوى السياسية، وفي أغلب أهدافه إسقاط وضع هش، وإعطاء مبررات عدم محاربة الفساد، الذي يبدأ بخطابات تملؤها المغالطات، وبذا يُسمح للإرهاب بالتغلغل مرة آخرى.
إن كان طرف يدعي الإصلاح ولكنه يثير الفوضى، فأنه كذلك يثير الفوضى، ويطلق رصاصاته بلا رحمة، لذا عليكم الهدوء فأنتم في حضرة الشهداء والدماء، التي سالت على أرض العراق، من أجل بناء عملية سياسية خالية من الخلافات، ومثالها شعب قدم كل ما عنده من أجل إصلاحها.