التشاؤم والقيم الأخلاقيَّة السائدة

منصة 2024/04/18
...

 د. حيدر عبد السادة جودة

 د. حيدر عبد السادة جودة


وقد أخذت القوة في فلسفة نيتشه طابعاً آخر ليس سائداً لا في المجتمعات ولا في الفلسفات، فقد غالى في استخدامها حدّ التطرف، إذ إن النشاط والاعتدال والقناعات، في رأيه، ما هي إلا فضائل القطيع، أما فضائل الأقوياء في رأيه، فهي التسلية والمغامرات والكفر، بل حتى الدعارة. وحتى في مجال الحكم على التاريخ، رجّح نيتشه القوة كمعيار للحكم، فيذهب إلى أن القرن التاسع عشر، أفضل وأكثر استقامة من القرون السابقة عليه، السابع عشر والثامن عشر، فالسابع عشر أرستقراطي، والثامن عشر قرن تسوده المرأة، إنه متحمس، روحي، وسطحي، مع شيء من العقل في خدمة الطموحات والقلب، إنه فاجر في الاستمتاع بكل ما هو فكري، وهو وغدٌ إلى حدٍ كبير، أما التاسع عشر، فأكثر حيوانيّة، وعاميّة، وواقعيّة، وسوقيّة، وبسبب هذا فهو الأفضل.

 ويرى أنه لو سألنا طفلاً شجاعاً وقوياً، هل تريد أن تكون رجلاً فاضلاً؟ لنظر إلينا بسخرية، ولو سألناه، أتريد أن تصبح أقوى من زملائك؟ لنظر إلينا بعينين واسعتين. فليس هناك في الحياة ما يمكن أن تكون له قيمة عدا درجة القوة، على أن الحياة نفسها هي إرادة قوة،  وكل القيم-بحسب قول نيتشه- ما هي إلا وسائل إغراء، لإطالة مدة المهزلة، إن هذه المدة تصيبنا بالشلل، خصوصاً حين ندرك بأننا خدعنا.

ومن أجل تقوية القيم، قد تم رفعها فوق الناس كحقائق، كما لو كانت هي العالم الحقيقي، وكأنها أوامر الرب... والآن وقد بدا لنا واضحاً أصل هذه القيم الحقيرة، فإن العالم يبدو بسبب ذلك حقيراً، يبدو وكأنه فقد معناه، ولكنها ليست سوى مرحلة انتقالية. وكلما آمنا بالأخلاق كان ذلك إدانة للحياة، لأن التقييمات الأخلاقية هي إدانة نفي، والأخلاق تجرنا بعيداً عن إرادة الحياة. ولكن ما هي الاخلاق؟ أو ما هي المزايا التي كانت تمنحها فرضية الأخلاق المسيحيّة؟ يجيب نيتشه عن ذلك بالآتي:

1 - تضفي على الإنسان قيمة مطلقة، وهي قيمة تتعارض مع صغره ووجوده العرضي في نهر الصيرورة والزوال.

2 - تخدم المدافعين عن الرب، بحيث أنها تمنح العالم، رغم البؤس والشر، طابع الكمال.

3 - تقر بامتلاك الإنسان معرفة خاصة بشأن القيم المطلقة.

4 - تجنب الإنسان احتقاره لنفسه، والوقوف في وجه الحياة، واليأس من المعرفة.

نتيجة لذلك فإن أصل التشاؤم يكمن في الانحطاط، والانحطاط أصل فساد الأخلاق، وإن وسائل العلاج النفسية والأخلاقية لا تغير من سير الانحطاط، وليست العدمية سبب الانحطاط، بل هي منطقه، ما الخير والشر إلا أنموذجان من الانحطاط، وإن المسألة الاجتماعية نتيجة من نتائج الانحطاط.

 من هنا اهتم نيتشه بنقد القيم الأخلاقية السائدة، وهي الأخلاق المولدة من رحم الدين، فهي  في رأيه تعني إلغاء المجتمع، فهي تفضل كل ما يزدريه المجتمع، وتنمو في صفوف الحقيرين والمذمومين، وتحتقر الأغنياء والنبلاء والأقوياء، وقد أطلق عليها بـ (أخلاق الشفقة)، تلك التي اعتبرت الرجال المتسلطين والعنيفين والسادة عموماً، أعداء يجب حماية الإنسان البسيط من بطشهم، ومن ثم علّمت الناس أن يبغضوا ويحتقروا ما يشكل الطبع الأساسي للمهيمنين، أصحاب إرادة القوة.

ونتيجة لذلك عدّ الشيء الأكثر ضرراً من أية رذيلة، هو الشفقة الفاعلة لخدمة الضعفاء. لذلك أكد ضرورة تجاوزها، وإن تجاوزها يعني امتلاك قدر معين من الثقافة الفكريّة، وهذه بدورها تعد سعادة، لهذا شنّ هجمته الشعواء ضد المسيحية كونها تحمي المحرومين من السقوط في العدمية، لأنّها تضفي على كل واحد منهم قيمة لا حدَّ لها، قيمة ما ورائيّة، فكانت تعلّم الناس الخضوع والتواضع، ومن ثمَّ فهي أشبه بالمؤامرة الجوهريّة ضد الحياة، بل هي نفي للحياة، ولتخليص الحياة يجب القضاء عليه، فهي المسؤولة عن إظهار ثقافة القطيع، وللقطيع فضائل، يجملها نيتشه بالآتي:

1 - في الثقة: لأن الريبة تتطلب حصر الذهن، والملاحظة والتفكير.  

2 - في التبجيل: حيث المسافة الفاصلة عن القوة كبيرة والخضوع ضروري، ولكي لا يخاف فإنه يحاول أن يحب، أن يبجل ويؤول اختلافات السلطة باختلاف الفضائل، حتى لا تصبح العلاقات مغيظة.

3 - في معنى الحقيقة: ما هو الشيء الحقيقي؟ يعطي التفسير الذي يتطلب أقل قدر ممكن من المجهود العقلي.

4 - في التعاطف: التساوي مع الآخرين، محاولة الشعور بالإحساس نفسه.

5 - في هدوء الحكم وعدم انحيازه: يخشى مجهود الانفعال ويفضل أن يظل بعيداً، أن يظل موضوعياً. 

6 - في الوفاء: يفضل الخضوع لقانون موجود على وضع قانون لنفسه، إنها خشية القيادة.

7 - في التسامح: الخوف من ممارسة الحق.

وقد أخذت القوة في فلسفة نيتشه طابعاً آخر ليس سائداً لا في المجتمعات ولا في الفلسفات، فقد غالى في استخدامها حدّ التطرف، إذ إن النشاط والاعتدال والقناعات، في رأيه، ما هي إلا فضائل القطيع، أما فضائل الأقوياء في رأيه، فهي التسلية والمغامرات والكفر، بل حتى الدعارة. وحتى في مجال الحكم على التاريخ، رجّح نيتشه القوة كمعيار للحكم، فيذهب إلى أن القرن التاسع عشر، أفضل وأكثر استقامة من القرون السابقة عليه، السابع عشر والثامن عشر، فالسابع عشر أرستقراطي، والثامن عشر قرن تسوده المرأة، إنه متحمس، روحي، وسطحي، مع شيء من العقل في خدمة الطموحات والقلب، إنه فاجر في الاستمتاع بكل ما هو فكري، وهو وغدٌ إلى حدٍ كبير، أما التاسع عشر، فأكثر حيوانيّة، وعاميّة، وواقعيّة، وسوقيّة، وبسبب هذا فهو الأفضل.

 ويرى أنه لو سألنا طفلاً شجاعاً وقوياً، هل تريد أن تكون رجلاً فاضلاً؟ لنظر إلينا بسخرية، ولو سألناه، أتريد أن تصبح أقوى من زملائك؟ لنظر إلينا بعينين واسعتين. فليس هناك في الحياة ما يمكن أن تكون له قيمة عدا درجة القوة، على أن الحياة نفسها هي إرادة قوة،  وكل القيم-بحسب قول نيتشه- ما هي إلا وسائل إغراء، لإطالة مدة المهزلة، إن هذه المدة تصيبنا بالشلل، خصوصاً حين ندرك بأننا خدعنا.

ومن أجل تقوية القيم، قد تم رفعها فوق الناس كحقائق، كما لو كانت هي العالم الحقيقي، وكأنها أوامر الرب... والآن وقد بدا لنا واضحاً أصل هذه القيم الحقيرة، فإن العالم يبدو بسبب ذلك حقيراً، يبدو وكأنه فقد معناه، ولكنها ليست سوى مرحلة انتقالية. وكلما آمنا بالأخلاق كان ذلك إدانة للحياة، لأن التقييمات الأخلاقية هي إدانة نفي، والأخلاق تجرنا بعيداً عن إرادة الحياة. ولكن ما هي الاخلاق؟ أو ما هي المزايا التي كانت تمنحها فرضية الأخلاق المسيحيّة؟ يجيب نيتشه عن ذلك بالآتي:

1 - تضفي على الإنسان قيمة مطلقة، وهي قيمة تتعارض مع صغره ووجوده العرضي في نهر الصيرورة والزوال.

2 - تخدم المدافعين عن الرب، بحيث أنها تمنح العالم، رغم البؤس والشر، طابع الكمال.

3 - تقر بامتلاك الإنسان معرفة خاصة بشأن القيم المطلقة.

4 - تجنب الإنسان احتقاره لنفسه، والوقوف في وجه الحياة، واليأس من المعرفة.

نتيجة لذلك فإن أصل التشاؤم يكمن في الانحطاط، والانحطاط أصل فساد الأخلاق، وإن وسائل العلاج النفسية والأخلاقية لا تغير من سير الانحطاط، وليست العدمية سبب الانحطاط، بل هي منطقه، ما الخير والشر إلا أنموذجان من الانحطاط، وإن المسألة الاجتماعية نتيجة من نتائج الانحطاط.

 من هنا اهتم نيتشه بنقد القيم الأخلاقية السائدة، وهي الأخلاق المولدة من رحم الدين، فهي  في رأيه تعني إلغاء المجتمع، فهي تفضل كل ما يزدريه المجتمع، وتنمو في صفوف الحقيرين والمذمومين، وتحتقر الأغنياء والنبلاء والأقوياء، وقد أطلق عليها بـ (أخلاق الشفقة)، تلك التي اعتبرت الرجال المتسلطين والعنيفين والسادة عموماً، أعداء يجب حماية الإنسان البسيط من بطشهم، ومن ثم علّمت الناس أن يبغضوا ويحتقروا ما يشكل الطبع الأساسي للمهيمنين، أصحاب إرادة القوة.

ونتيجة لذلك عدّ الشيء الأكثر ضرراً من أية رذيلة، هو الشفقة الفاعلة لخدمة الضعفاء. لذلك أكد ضرورة تجاوزها، وإن تجاوزها يعني امتلاك قدر معين من الثقافة الفكريّة، وهذه بدورها تعد سعادة، لهذا شنّ هجمته الشعواء ضد المسيحية كونها تحمي المحرومين من السقوط في العدمية، لأنّها تضفي على كل واحد منهم قيمة لا حدَّ لها، قيمة ما ورائيّة، فكانت تعلّم الناس الخضوع والتواضع، ومن ثمَّ فهي أشبه بالمؤامرة الجوهريّة ضد الحياة، بل هي نفي للحياة، ولتخليص الحياة يجب القضاء عليه، فهي المسؤولة عن إظهار ثقافة القطيع، وللقطيع فضائل، يجملها نيتشه بالآتي:

1 - في الثقة: لأن الريبة تتطلب حصر الذهن، والملاحظة والتفكير.  

2 - في التبجيل: حيث المسافة الفاصلة عن القوة كبيرة والخضوع ضروري، ولكي لا يخاف فإنه يحاول أن يحب، أن يبجل ويؤول اختلافات السلطة باختلاف الفضائل، حتى لا تصبح العلاقات مغيظة.

3 - في معنى الحقيقة: ما هو الشيء الحقيقي؟ يعطي التفسير الذي يتطلب أقل قدر ممكن من المجهود العقلي.

4 - في التعاطف: التساوي مع الآخرين، محاولة الشعور بالإحساس نفسه.

5 - في هدوء الحكم وعدم انحيازه: يخشى مجهود الانفعال ويفضل أن يظل بعيداً، أن يظل موضوعياً. 

6 - في الوفاء: يفضل الخضوع لقانون موجود على وضع قانون لنفسه، إنها خشية القيادة.

7 - في التسامح: الخوف من ممارسة الحق.