علي حسن الفواز
ما يكشف عنه الاحتلال الصهيوني للأرض المحتلة من ممارسات استيطانيَّة يتجاوز في خطورته معطيات ما يحدث في الحرب التقليديَّة، فالاستيطان جريمة حرب مكشوفة، وقناع عنصري وشوفيني لتأسيس خطاب وممارسة تقوم على محو الذاكرة والوثيقة والأثر، وعمل إجرامي يهدف إلى تحويل جنس الأرض التاريخي، إلى جنسٍ متخيل، وهذا ما أعطى “المستوطنين” ذريعة لمهاجمة القرى الفلسطينية، تحت يافطة البحث عن المتخيل الأسطوري، وفرض مدونة “الأسرلة” في سياق البحث عن تاريخ زائف، وبما يدفع التنظيمات الاستيطانية المتطرفة إلى مواصلة اعتداءاتها على الفلسطينيين، عبر القتل وحرق المزارع والبيوت.
الترويج لـ”السرديات الصهيونية” هو أكثر التحديات التي ينبغي الكشف عن خفاياها، ودوافعها، وفضح السياسات التي تقف خلفها، لأنَّ إنشاء المستوطنات في الطوق الفلسطيني، يعني تقطيع المكان التاريخي الفلسطيني، وإيجاد بؤر لتسويق فكرة المتخيّل الديموغرافي، والإيهام بالبحث عن الأسلاف والهياكل والأساطير. فرغم أنَّ هذه الممارسات تتعارض والقانون الدولي، وحقوق الإنسان، إلّا أنَّ الكيان الصهيوني يواصل هذه السياسة الاستيطانية، تحت حماية الغرب والولايات المتحدة، وصولاً إلى التلويح بالاستيطان في غزّة كما تقول “دانيلا فايس” صاحبة الأطروحات الاستيطانية المعروفة، أو كما يدعو لذلك متطرفو الصهيونية “ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتيش”.
قيام المستوطنين بمهاجمة القرى القريبة من رام الله ونابلس، يهدد بعواقب وآثار خطيرة، ليس بهوية المدن الفلسطينية فحسب، بل بتحويل الاستيطان إلى خيار جيوسياسي يقوم على “استعمار” المكان، وتقطيع “أوصاله” وبطرد السكان تحت يافطة مخالفات إسكانية، لكنَّ الهدف الأخطر يكمن في فرض توصيف واقع الحال على المكان الفلسطيني، وزيادة المساحات الاستيطانية، حيث “يعيش أكثر من 750 ألف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية والقدس”، وهو ما يعني تعريض كل الرهانات السياسية التي يبحث عنها المجتمع الدولي إلى الفشل، فضلاً عن توسيع مديات الصراع الإقليمي الذي يستثمره الكيان الصهيوني كنوعٍ من الحروب المفتوحة، التي تُغذيها سياسات التطهير العرقي “الابارثيد” المُهددة للوجود الفلسطيني، هوية وأرضاً وتاريخاً، وأحسب أنَّ طوفان الأقصى كان رداً وجودياً حقيقياً على حرب التطهير والاستيطان، وعلى إكراهاته ومنهجيته في الطرد وأسطرة الصهيونية على حساب الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في أرضه..