الخوارزميّات.. أساليب وحسابات معقّدة
رحيم رزاق الجبوري
مما لا شك فيه بأن التطور المتنامي والمتسارع في الفضاء الرقمي؛ جعل من العمل في وسائل التواصل الاجتماعي أمرا بالغ الأهمية للشركات والمنظمات والأفراد، الذين يبتغون وينشدون تحقيق المال والنجاح والشهرة.
ومن خلال هذه العوالم يتردد على ألسن الكثير من الناس مصطلح {الخوارزميات}، التي يعرفها المختصون على أنها أدوات حيوية تقوم بتحسين تجربة المستخدم وتوفير المحتوى الذي يناسب اهتماماته وتفضيلاته.
ويحصل ذلك من خلال تحليل سلوكه السابق وتفاعلاته الحالية، فيمكن لهذه الخوارزميات أن تحدد المحتوى الذي يحظى بأفضل استجابة وتعزيز وظهور في الخلاصة. فهي مجموعة من التعليمات المتسلسلة التي تستخدم في حياتنا اليومية، وتتوقع تفضيلات المستخدم وتقدم اقتراحات له.
وسميت بهذا الاسم نسبة إلى العالم أبي جعفر محمد ابن موسى الخوارزمي الذي ابتكرها منذ قرون وهي تعنى بالتسلسل والاختيار والابتكار وغير ذلك.
واقتحمت هذه الخاصية عالمنا الرقمي بشكل كبير؛ لتتحكم فيه وفق رؤية وحسابات معقدة من خلال تحليل البيانات وتحديد الأشخاص الأكثر اهتماما بمحتواك مما يساعدك على تحسينه والتفاعل معه وانتشاره. وبالتأكيد تخضع لآليات وقواعد فرضها صانعو ومخترعو هذه المواقع.
أسرار وخبايا
الخبيرة والمستشارة التقنية في مواقع التواصل الاجتماعي (سارة فضل) والتي تحمل شهادة الماجستير في خوارزميات تعلّم الآلة، تتحدث قائلة: "تخيل أنك ذهبت إلى قصر منيف وغريب وفيه الكثير من العجائب برفقة مرشد، وعند دخولك القصر وجدت عشرات الغرف المغلقة المليئة بالخبايا والأسرار، لكن لم يسمح لك المرشد بدخول أي من هذه الغرف وقام باقتيادك إلى غرفتين فقط وسمح لك بالتجول فيهما ومشاهدتهما، رغم استماتتك الكبيرة.
للأسف هذا المرشد الموجود في القصة هو الفقاعة الموجود فيها أنت الآن؟ وهو مصطلح Filter Bubble ابتدعه الناشط في قضايا التكنولوجيا والديمقراطية إيلي بريسر.
والذي يعني: عند زيارتك لأحد مواقع الويب، قد تعتقد أن الجميع يطالع المحتوى نفسه، طالما أنك زرت الموقع ذاته، ولكن في أي مكان تقريبا تتصل فيه بالإنترنت، تمنحك الخوارزميات المحتوى بناء على ما تعتقد أنه يعجبك، وستستمر في ذلك حتى تعرض لك بشكل أساسي المحتوى الذي من المحتمل أن تستهلكه، وهذا ما يؤدي إلى تكوين فقاعة ترشيح".
دخول الفقاعة
وتضيف، فضل بالقول: "حينما تدخل منصة الفيسبوك في يومك الأول، ماذا سيحدث؟ سيأخذ منك الفيسبوك معلوماتك الأساسية وموقعك الجغرافي، وأين درست وماذا تفعل وما هي اهتماماتك، وبعدها سيقوم بعرض محتوى تحت عنوان Suggested for you لو قمت بالتركيز جيدا في هذا المحتوى ستكتشف أنه ليس بالضرورة أن يكون من صفحة فيها آلاف المتفاعلين أو ملايين المتابعين. إذا لماذا اقترح الفيسبوك هذا المحتوى لك؟ لأن الخوارزميات المتطورة والتي تعمل بشكل مستقل unsupervised تعتقد أنك ستحب هذا المحتوى بناء على ما قدمته من معلومات. وستجد أشياء تحبها، وأشياء تجذبك وستتفاعل معها. حيث ستبدأ في تلك اللحظة بالدخول لفقاعتك وبدء الانعزال داخلها شأنك في ذلك شأن ملايين الأشخاص حول العالم".
أنت الآن معزول تماما
وتكمل: "ووفق دراسات كثيرة أُجريت على مستخدمي مواقع التواصل والإنترنت، فأن أغلبهم لا يعلمون أن أصدقاءهم قد قاموا بنشر بوستات وأن الخوارزمية حجبت المحتوى عنهم، لأنها تعتقد أنهم لا يرغبون في قراءة هذه البوستات، فالخوارزمية تفكر بدلا عنك، ثم تتخذ القرار وتعرض لك ما تعتقد أنك تود معرفته بناء على الـpast history and activities الخاص بك، مما سيجعلك تفقد أي فرصة لمعرفة أشياء جديدة قد تلاقيها بالصدفة مثلا؟!".
محاكاة
وتمضي فضل بالقول: "أن الخوارزمية التي تعمل الآن على الفيسبوك، تقوم بمحاكاة سلوك المستخدم بدلا عنه بوضع افتراضات، وهذا ما يجعلها أكثر حدة في حجب المحتوى الذي تعتقد أنه لا يلائمك، وعرض المحتوى الذي تعتقد أنك ستحبه، وهي عملية حسابية معقدة تتم على مستويات عدة، ويظهر لك في الآخر مزيج من بوستات في صفحتك الرئيسة وتحجب عنك آلاف البوستات الأخرى وفقا لقرار الخوارزمية التي تقوم بمحاكاة نمط سلوكك وتفكيرك، ثم تقرر نيابة عنك ماذا تريد أن تقرأ أو تشاهد!".
"ماتريكس"
وتختم: "نحن نعيش داخل مصفوفة، والأسوأ أننا نواجهها منفردين، كلٌ داخل فقاعته، معزولين ونشاهد ونقرأ ما يظهر لنا من محتوى بينما نفقد الكثير والكثير من الأشياء المهمة.
ففي كل مكان أنت موجود فيه أونلاين، الخوارزمية هي من تقرر ما هو الملائم لك، دون الحصول على أذنك، يمكنك مثلا تخصيص أشخاص وصفحات مفضلين كي ترى تحديثاتهم، ويمكنك البحث باستخدام الـ Recency كأداة فلترة، أي أنه يمكنك البحث على الدوام عن نتائج حديثة، وستكون الخوارزمية مجبرة على إظهار المحتوى حتى ذلك الذي تعتقد أنه لا يلائمك، فيصبح هذا الحل غير عملي لو أننا نتحدث عن شيء شائع، فعندها ستقوم الخوارزمية بترشيح المحتوى الذي تظن أنه يلائمك، وتحجب عنك باقي المحتوى الذي ربما تكون لديك رغبة في رؤيته".
تحليل السلوك
ويرى د. عمران الشائبي، أن مصطلح الخوارزميات يشير إلى أي عملية رياضية متسلسلة تقوم بحساب أو تنفيذ وظيفة محددة. وهذا ما تقوم به على منصات التواصل الاجتماعي حيث تعمل على تحليل سلوك المستخدمين والمحتوى المتاح على المنصة لتقديم تجربة مخصصة ومناسبة لكل فرد. ويضيف (الخبير التقني في التكنولوجيا المتقدمة) قائلا: "هناك عدة طرق يمكن أن تعمل بها وهي: (تخصيص التغذية الإخبارية): حيث تقوم الخوارزميات بتحليل تفاعل المستخدمين مع المحتوى المنشور والتعرف على اهتماماتهم وتفضيلاتهم. وبناء على ذلك، تعرض المنصة للمستخدمين بشكل أكثر احتمالا للمحتوى الذي يعتقد الخوارزمية أنه سيثير اهتمامهم. و(الإعلانات المستهدفة): حيث تستخدم الخوارزميات معلومات تفاعل المستخدم مع المحتوى لاستهداف الإعلانات بشكل أكثر دقة وبتحديد الإعلانات، التي يمكن أن تكون مثيرة للاهتمام للمستخدمين بناء على سجل نشاطهم على المنصة. وكذلك (توصيات المحتوى): إذ تقدم الخوارزميات توصيات للمستخدمين بناء على ما قد يعجبهم استنادا إلى سجل تصفحهم وتفاعلهم مع المحتوى السابق. وهذا يساعد في زيادة احتمالية مشاركة المستخدمين وتفاعلهم مع المحتوى الجديد. وأخيرا (تصنيف المحتوى): حيث تستخدم تقنيات التصنيف لتحديد ما إذا كان المحتوى مناسبا لعرضه للجمهور الواسع أم لفئة معينة من المستخدمين بناء على تفاعلهم".
كيفية التعامل
ويضيف المتخصص التقني، قائلا: "توجد بعض الطرق التي يمكن من خلالها التعامل مع الخوارزميات بشكل أفضل مثل: متابعة حسابات تعزز الإيجابية والمحتوى الهادف، وتقليل الوقت الذي يقضيه الفرد على منصات التواصل الاجتماعي. ومن مخاطرها: إمكانية تعزيز الانقسامات الاجتماعية والفكرية، والتأثير السلبي على الصحة النفسية والعاطفية للأفراد، والتأثير على الديمقراطية والحريات الفردية والأخبار الزائفة والانحلال الأخلاقي والعبث والفساد الفكري. كما أن هناك بعض الفوائد التي تفرزها للمستخدمين وهي: الوصول إلى المحتوى الذي يهمهم بشكل أسرع وأكثر فعالية، إضافة إلى تعزيزها من عنصر التواصل والتفاعل بين الأفراد وتسهيل مشاركة الأفكار والآراء. فضلا عن توفير فرص للترويج للأفراد والشركات وزيادة الوعي بالعلامة التجارية والتسويق والشهرة".
سياسة ومحاذير
بدوره يقول الخبير التقني سلطان شلختي: "أن هناك العديد من الناس من تم إيقاف حساباتهم وصفحاتهم أما بشكل مؤقت أو دائم وتم حذفها ومنعهم من النشر؛ بسبب التصوير المباشر أو تقديم محتوى عن أي موضوع. ومثال على ذلك القضية الفلسطينية التي تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي وتم حجب الكثير منها".
ريبوتات
وأضاف شلختي: "أن ما يحدث في مواقع التواصل بشكل عام هو أن كل منصة تواصل اجتماعي هي عبارة عن وسط للتواصل ما بين الناس. وأن ما يحدث على هذه المنصات وجود ريبوتات تحارب خطاب الكراهية أو تحارب الكلام النابي أو أي شيء آخر يسبب إهانة لشخص أو جهة أو دولة يمكن أن يؤثر على نفوس الناس".
محاربة
ويشير الخبير التقني، في حديثه إلى: "وجود طريقتين لمحاربة الاختراقات، الأولى: يتم تعريف هذه الكلمات من خلال قواميس متعلقة بالكلمات النابية في كل لغة أو في كل أسلوب أو بعض المصطلحات التي يتم استخدامها للتنمر والإهانة، إذ يتم أخذها ووضعها في هذه المنصات وتقوم الريبوتات بالبحث وتصفيتها عندما تتأكد من تكرارها أو إيجاد شكاوى وبذلك يتم إيقاف الحساب إذا ما ثبت شيء عنها. أما الطريقة الثانية: فهي مجموعة من الأشخاص يقومون بالاتفاق على أن المحتوى الذي يتم نشره من قبل هذا الشخص يحتوي على مصطلحات سيئة أو يعرض المجتمع للخطر فيتم إيقاف حسابه". لافتا في ختام حديثه إلى إمكانية التدخل البشري في عملية الرقابة وإيقاف الاختراقات، إذ يقول: "من الملاحظ إغلاق الكثير من الصفحات من غير وجود مصطلحات معينة لدعم فكرة أو قضية معينة. وكان هذا ملاحظا من خلال المحتويات المصورة وغيرها، خاصة موضوع وجود المؤثرين على عدد من الصفحات ولعب دور مهم وكبير، حيث لاحظنا مشكلة أن الأعداد لم تعد كما هي وهناك مؤشرات غير صحيحة".