بغداد: نوارة محمد
لا يمكن للرجال والنساء أن يصبحوا أصدقاء بحسب مفاهيم البيئة التي نعيشها، وإذا ما حدث ذلك فإنَّ أي رجل سيُوصف بـ "أختهن" أو "المخنث" أو ربما "لاحوگ".. ألقاب كثيرة يطلقها المجتمع المحافظ على رجل يفضّل أن يُقيم صداقات مع الجنس اللطيف، أو من يعاملهن بلطف واضح.
ورغم أنه ليست هناك أسباب وجيهة لذلك، لكن الأمر أصبح ينطوي على الكثير من التفسيرات حتى أن هذه الألقاب المستشرية تضعنا أمام الكثير من التساؤلات كما يقول أركان الحسن أن "الأمر مرتبط كثيراً بسياقات وأهمها ضوابط العادات والتقاليد في مجتمعاتنا الشرقية التي هي أساس عيشنا".
ويعتقد الحسن أنَّ أساس ذلك مقاييس يفرضها الدين الذي يُحرّم اختلاط جنسين من دون قسيمة الزواج، "بهذا تتحول العلاقة بين الرجل والمرأة إلى رغبة تلاحق الجميع وهي ممنوعة علينا ومن يخالف هذه الفرضيات عليه أن يدفع الضريبة"، وفقاً لتعبيره.
ويضيف الحسن، وهو باحث اجتماعي: رغم أنّنا نحاول تقليص المسافة بين الجنسين وبدا من الطبيعي أن يكوّن الفرد صداقات مع الجنس الآخر خارج نطاق العمل والدراسة، وصار - على غير العادة - أن يحترم المجتمع فكرة الصداقات لكن الأمر لا يخلو من هذه المسمّيات، فالمبالغة تعطي الحق للآخرين أن ينعتوا أحدهم بـ (أختهن).
ويؤكد أيضا أنّ "هناك تغييراً بنسبة كبيرة تشهده البلاد وهنالك تحرر ملحوظ من بعض القيود التي تفرضها المجتمعات الشرقية لا سيما في الأوساط المنفتحة التي تبدي استعدادها لقبول التغيير الحداثوي الذي نواجهه في العقد الأخير".
على الجانب الآخر يرى أمير كمال الذي يعمل في شركة لا يعرفها سوى موظفيها أن "لا مبرر لوجود الأنثى في حياة الرجل عدا الشريكة، والزوجة أو الحبيبة".
وأوضح كمال لـ "الصباح" أنَّ "هناك الكثير من الأشخاص الذين يبررون علاقتهم بالجنس الآخر على أنّها قُرب أو زمالة في العمل وصداقة بريئة حتى أنَّ كلمات مثل هذه هي المبرر السائد للخوض في علاقات مع الجنس الآخر لكنها تندرج تحت بند الخيانة الزوجيَّة لأنّها في الأغلب ما تكون علاقة سريَّة حتى ولو كانت في إطار الصداقة البريئة ولطالما تشوبها الأقاويل ويرفضها المجتمع فإنَّ الأمر لا يخلو من الشك".
وأشار أيضا إلى أنَّ هذا النوع من العلاقات التي تندرج تحت بند الصداقة هي شكل آخر من أشكال البحث عن سد لفراغ أو فجوة يعيشها أحد الطرفين، وهو يبحث عن الأشياء التي يفتقدها في شريك حياته، التي قد تتطور إلى ما هو أبعد من ذلك".
مسمّيات مثل هذه طالت كثيرين في المجتمعات الشرقيَّة، وهي لا تقتصر على فكرة الصداقة، بل إنّ الموضوع تعدى ذلك وأصبحت هذه المسمّيات تُطلق على كل ما يبدي لطفه مع الجنس اللطيف في مجتمعاتنا الذكوريَّة. يقول إيهاب سليم: حين أفتح الباب لزوجتي، أو أومئ لها بالدخول قبلي، أو أمارس سلوكيات تدل على اهتمامي بها بطريقة واضحة خارج إطار المنزل أشعر وكأنّني أفعل شيئاً غريباً وتبدو ملامح الاستغراب واضحة على من حولي، كما لو أنني أمارس فعلاً لا يليق بي كرجل صارم عليه أن لا يلين وإلا فإن ألقاباً مثل (خيخة) (مسحور) (ماخذة عليه) ستلاحقني إلى الأبد.
ويعتقد مهتدى كامل أن الصداقة عموماً فكرة تنطوي على كثير من الدروس التي يمكن أن يجدها الفرد ما إذا كانت في الإناث أو الرجال، لكن الأمر يبدو مختلفاً في إقامة صداقة شخص مع جنس الآخر.
ويقول إنّ "هذه العلاقة التي من شأنها أن تواجه رفضاً في المجتمعات الشرقية المتمسكة بالعادات والتقاليد، هي علاقة يحتاج إليها أيُّ شخص سليم، استطاع أن يتخلص من أدلجة المفاهيم بحسب المجتمعات والزمان والمكان، وغالباً ما أرى فتيات يفضلن صداقة الرجال على البنات معتبرات أنَّ الشاب يكونون أكثر صدقا، أن تتحرر الصداقة من الغيرة أو الحِقد أو الإشكالات الأخرى".
الدراسات كشفت أن فئات عمريَّة مختلفة تفضل الصداقة بين الجنسين، لكن هذه العلاقة يشوبها الضباب وتحتمل جميع الاحتمالات لكنها غالباً لا تستمر، حيث وجد أن نصف المشاركين في الدراسة أن صداقتهم انتهت لأنّها غالباً ما تنحرف عن مسارها.
وكشفت الدراسة الاميركية ذاتها أيضا أن معظم الرجال ينجذبون في البداية إلى شكل المرأة، وإن كانوا يعتبرونها مجرد صديقة، ويشعرون أنها تبادلهم الشعور نفسه، أي أنهم يفهمون اهتمامها على أنه إعجاب متبادل. فيتلاشى مفهوم الصداقة تلقائياً كونه مبنياً على الانجذاب والإعجاب وليس على مضمون الشخص الآخر.