خصوصية العراق والقمم العربية

آراء 2019/06/02
...

سلام مكي
 
العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية.. هذا ما نص عليه الدستور العراقي في المادة 3 منه، وهي الحقيقة التي لا يمكن إنكارها.. التذكير بهذا النص الدستوري، هو موقف رئيس الجمهورية برهم صالح في القمة التي عقدت في السعودية مؤخرا والتي عقدت لأجل غاية واحدة وهي الاعلان رسميا عن ولادة عدو جديد وهو إيران، والسبب هو تعرض منشآت نفطية سعودية وسفن إماراتية لصواريخ أطلقت من الأراضي اليمنية، باعتبار ان تلك الصواريخ مصدرها إيران، لذا فإن إيران تمارس عمليات تخريب وإرهاب في المنطقة.. لسنا بصدد ترجيح رأي طرف على آخر، لكن ما يهم هو موقف العراق من البيان الختامي للقمة، وهو كان منسجما مع الدستور ومصالح العراق، أم كان العراق في القمة صوتا نشازا، خرق الاجماع العربي النادر، وأعطى رسالة مفادها بأن العراق يميل الى إيران أكثر من ميله الى محيطه العربي.. الاجماع العربي الحالي، ليس إجماعا على قضية عربية مصيرية تصب في مصلحة المنطقة، بل هو إجماع بالإكراه، إجماع لقضية خاصة شخصية بل أطراف محددة، لأجل غايات خاصة أيضا، مثله مثل الاجماع العربي على ضرب اليمن. 
المؤيدون لبيان القمة، لديهم ما يخسرونه إن هم اعترضوا على ما جاء فيه، وربما أن مصالحهم قد تتضرر جراء عدم تأييده.. أغلب دساتير الدول العربية، لا تتضمن مادة تؤكد على التنوع القومي والمذهبي والديني مثلما يؤكد عليه الدستور العراقي، وهذا التنوع يفرض على سياسيي البلد، أن لا يكونوا طرفا في أي توجه يؤثر في ذلك التنوع.. وهذا التنوع المشار إليه في الدستور، ينصرف الى التنوع السياسي الداخلي والخارجي، بمعنى ان المصلحة العليا للبلد، تفترض وجود تنوع في العلاقات بين مختلف الدول، كما إن الحدود الجغرافية التي ساهمت في ترسيخ ذلك التنوع تحتم على العراق، أن يكون متوازنا مع الجميع، أن لا يميل الى جهة من دون أخرى، مثلما ألزم الدستور الحكومات بعدم الميل الى مكون من دون آخر.. فهنالك مصالح تجارية واقتصادية  وروابط  ثقافية وتاريخية مع إيران وتركيا والسعودية، وهذه الدول لديها توجهات مختلفة وتنتمي الى محاور وتيارات في المنطقة، وهذا يعني أن العراق ليس بمقدوره أن يكون مع محور من دون آخر، بل أن يكون مع الجميع، كون أن مصلحته تقتضي أن يكون مع الجميع.. موقف رئيس الجمهورية أعطى دلالات وأرسل رسائل واضحة وهي أن العراق له خصوصية وتوجه سياسي وموقف مختلف عن جميع الدول العربية، وهذا الموقف متأتٍ من الخصوصية الداخلية التي يتمتع بها، والتي تقتضي أن يكون مع الجميع لا مع دولة من دون أخرى.. البيان الختامي، يخص موقف دولة واحدة ولا يعني بالضرورة أن يكون موقف جميع الدول العربية.. والدليل أنه صيغ من قبل جهة واحدة فقط، ولم يشترك في صياغته لا العراق ولا أي دولة عربية أخرى.. يمكننا القول إن الرئيس انحاز الى التنوع والى الموقف الرسمي للدولة العراقية ولم ينحز الى موقف آخر وهذا ما يحسب له. كما ان الموقف الداخلي الذي لم يسجل اعتراضات على موقف الرئيس يدل وبوضوح على ان العراق في طريقه لأن يكون صاحب موقف خارجي موحد، بل ان كان في الفترات السابقة يعاني من تعدد المواقف.