العدوان والانتخابات الأوروبية

قضايا عربية ودولية 2024/05/05
...

علي حسن الفواز

تتواصل أزمة الاضطرابات في الجامعات الأميركية، وفي أوروبا، تعبيرا عن سخط "الأجيال الجديدة" على حرب الإبادة العنصرية التي ينفذها الكيان الصهيوني في غزة، والتي دفعت بعض الحكومات إلى ممارسة العنف مع المحتجين المعتصمين، واعتقال العديد منهم، تحت يافطات تُهم الإرهاب ومعاداة السامية، ومحاباة اليسار بنسخته الروسية! وهي مواقف تعيدنا إلى ذاكرة المكارثية البغيضة في الخمسينيات من القرن الماضي.
لكن الأخطر في تداعيات العدوان الصهيوني على غزة هو انعكاسها على الواقع الانتخابي في بعض دول أوروبا، إذ بات الضغط الشعبي والاحتجاجات الطلابية عنصرَ تغييرٍ في مواجهة مواقف حكوماتهم الساندة لذلك الكيان، ولسياساته العنصرية، فما حدث بالأمس بعد الانتخابات المحلية البريطانية يعكس طبيعة هذا التحول الكبير، فقد اكتسح حزب العمال البريطاني الانتخابات المحلية الجزئية في عدد من المدن البريطانية، مقابل فقدان حزب المحافظين الحاكم أكثر من 200 مقعد، وهو رقم ليس سهلا بالحسابات الانتخابية، فضلا عن حمولاته النقدية التي تؤكد علاقة حزب المحافظين مع حكومة "نتن ياهو، ومدّها بالسلاح الذي يُقتل به الفلسطينيون.
النتائج التي كشفت عن فوزٍ أولي لحزب العمال بـ120 مقعدا في دوائر إنجلترا وويلز، مؤشر واقعي على معطيات تتجاوز الخارطة الانتخابية إلى إمكانية صياغة التغيير في السياسات والمواقف، التي يمكن أن تُسبب إحراجا للحكومة البريطانية، وبرامج تنسيقها مع الولايات المتحدة في حماية التطرف الصهيوني، في عدوانه وفي سياساته العنصرية.
الدعوة إلى التغيير كما قال "كير ستارمر" زعيم حزب العمال، لا تدخل في مجال الصراع السياسي بين الحزبين فقط، بل في تمثيل مقدمات هذا التغيير، على مستوى المواقف البريطانية، أو على مستوى التأثير في الانتخابات التشريعية البريطانية، التي قد تدفع إلى توجهات انتخابية تهدد احتكار حزب المحافظين للسلطة من أكثر من 14 عاما. وحتى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة ليست بعيدة عن "الصدمات" التي قد تجعل من العامل الفلسطيني دافعا للتغيير، ولوضع الناخب الأميركي أمام صور واقعية جديدة. لعبت التظاهرات دورا في صياغة وعي عام جديد، فضح طبيعة العنصرية الصهيونية، والتحالف بين "الرأسمالية والصهيونية"، مثلما كشفت عن نزعات احتجاجية عبَّر عنها طلّاب الجامعات الأميركية ذات التقاليد العريقة، كما في "هارفرد، وكولومبيا" وغيرها من عشرات الجامعات الأخرى، لتعيد إلى الأذهان صورة الثورة الطلابية في باريس عام 1968 التي أسقطت رمزية الرئيس ديغول ونمط سياساته التقليدية.