علي حسن الفواز
كلُّ شيءٍ وارد في السياسة، عبر العمل على تحقق المصالح والأسواق والدبلوماسية، أو عبر الحرب، وبما يُعطي لتلك السياسة أفقاً واسعاً لاحتواء الأزمات، وفرض الواقعية في صياغة المواقف، وفي ترسيم الحسابات الستراتيجية، ولعل ما يحدث في العالم اليوم يضع السياسة أمام رهانات إجراءاتها، ومرونة خطابها، لاسيما أن العالم لم يعد يخوض حرباً باردة هي الأقرب للسذاجة أو لعبة صناعة الفخاخ، فالدخول إلى الحروب الساخنة سيكون خياراً صعباً، لكن اللجوء الى السياسة سيظل هو الخيار الشاطر والعقلاني.
زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ، الى باريس للاحتفال بالذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، هي ما تجعل السياسة قريبة، لأنها تمثل الخطوة الواقعية لوضع الملفات السياسية على الطاولة، وتحويل هذا الاحتفال الى برنامج عمل يخفف من الاحتقان الذي يبدو واضحاً بين "الغرب والشرق" وحول قضايا خلافية كثيرة تخصّ الحرب في اوكرانيا، والموقف من تايوان والشرق الأوسط، والعدوان على غزة، ومن الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وحتى في ما يتعلّق بالفتيل الايديولوجي الذي يراهن عليه البعض من غلاة الرأسماليين الذين لا يثقون بماركس الصيني.
فرنسا الديغولية ليست بعيدة عن الذاكرة الصينية، فهي تملك تاريخاً ناعماً مع الصين، والرئيس شارل ديغول الذي وضع أسس هذه العلاقات، كان يثق بالسياسة، وبالخصوصية الفرنسية في إدارة هذه السياسة، وحتى الصين عبر ذاكرة ماو تسي تونغ كانت تثق بأن الرئيس ديغول هو الأكثر مرونة، والأكثر وعياً بالتعاطي مع الحلول الدبلوماسية، وعدم التورط في حروب الرأسمالية المفتوحة، من منطلق أهمية استقلال القرار الفرنسي، بوصفها الدولة الكبرى، وصاحبة التاريخ البونابراتي والفلسفي والشعري، مثلما هي صاحبة الاقتصاد الناعم والسينما الناعمة.
هذه الزيارة تدخل في حسابات واقعية السياسة، وفي اختبار مواقف الرئيس الفرنسي ماكرون الذي يطالب دائماً بمواقف معتدلة إزاء الصين، وعدم الانجرار وراء الموقف الأميركي، لأن التقاطع مع الصين وأسواقها وشركاتها لن يكون مناسباً، ولا حتى عقلانياً، وضرورة التعاطي مع الملفات الشائكة بالطرق الدبلوماسية، وبقطع الطريق على خيارات العنف أو خلق المحاور والأسواق المحروقة، وأحسب أن هذا الأمر هو ما يجعل الرئيس ماكرون أكثر ذكاء ومرونة في التعاطي مع الدبلوماسية الصينية، وحتى مع مواقفها إزاء قضايا شائكة ومختلف عليها، مثل قضايا التغيّر المناخي والتحديات التجارية وغيرها، وفي اعتماد السياسة التي تقول لا تذهبوا بعيداً.