الحنطة.. ثروة زراعيَّة تستعيدُ حضورها
فجر محمد
كانت تنتشر في الحقول مثل قوائم اسطوانية ذات الوان ذهبية، وعلى مد البصر اذ يزداد بريقها وتوهجها كلما اقتربت منها اشعة الشمس، انها الحنطة او مايعرف بالذهب الأصفر هذا المحصول الذي عاد ليتربع من جديد على عرش المنتجات الزراعية، بعد أن أصابته سنوات شح الامطار بالذبول، لكنه اليوم عاد ليزهر من جديد وفي حقول متعددة.
لا يمكن لأحد ان يتصور الفرحة الكبيرة التي غمرت ابو سالم واولاده وهم يجنون ثمار تعبهم من محصول الحنطة، خصوصا مع الدعم الكبير الذي حصلوا عليه اليوم.
وبينما هو يستعد لنقل محصوله وتسليمه الى الجهات ذات العلاقة يقول ابو سالم: "نشعر اليوم بالاطمئنان والثقة، لعودة اراضينا وحقولنا الى سابق عهدها، وبالاخص زراعة محصول الحنطة الذي توارثناه من الاباء والاجداد".
ويعبر المدير العام للشركة العامة لتجارة الحبوب الدكتور حيدر نوري الكرعاوي عن تفاؤله مع انطلاق الموسم التسويقي للحنطة، ويقول: "ما يميز عملنا دائما هو القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، هذا بالاضافة الى الكميات الموجودة لدينا، وهي الخزين الاستراتيجي من محصول الحنطة من العام الماضي، والمخزن وفق الشروط والمواصفات القياسية ويجري استخدامه عند الحاجة، فضلا عن كميات الحنطة التي جنيت منذ وقت قريب تزامنا مع انطلاق موسم التسويق".
يشار الى ان الشركة العامة لتجارة الحبوب تسلمت منذ انطلاق الموسم كميات كبيرة جدا من المحصول ومن مختلف محافظات البلاد، ومازال العمل جار ومستمر لانجاز العمل بأكمله.
اذ يعمل موظفو وعاملو الشركة بشكل متواصل لاتمام المهمة.
ومن الجدير بالذكر انه مع تساقط الموجات الاخيرة الربيعية للامطار، عقد مجلس الوزراء اجتماعا بحضور وزير التجارة والمدير العام للشركة العامة لتجارة الحبوب وعدد من المسؤولين، للاطلاع على طرق واليات التسويق والخزن، فضلا عن معرفة اثار تلك الامطار على محصول الحنطة ومحاولة وضع الحلول المناسبة للحفاظ على المحصول.
دعمٌ كبير
تمتاز اماكن خزن الحبوب المتوزعة في مختلف مناطق البلاد بشروط ومواصفات معينة، وانواع مختلفة منها السايلوات والبناكر فضلا عن طرق واساليب خزن اخرى معتمدة، اذ تحافظ على جودة المحصول بشكل
كبير. وعن هذا الدعم والاسناد يبين المدير العام الدكتور حيدر نوري الكرعاوي، ان المساعي مستمرة من اجل خدمة الفلاح وتقديم الافضل له، ولهذا تسلمت الشركة كميات كبيرة من المحصول وفي النية زيادة هذه الكمية من أجل الخدمة العامة.
وما زال العمل مستمرا من أجل اكمال عملية التسليم، وخزن الحبوب وفق اليات وشروط محددة.
ومؤخرا عقد اجتماع لرئاسة مجلس الوزارء أوعز فيه للجهات ذات العلاقة بضرورة تذليل الصعوبات، وتقديم الدعم لوزارة التجارة ومن ثم الفلاح كي يقوم بتسليم المحاصيل بسهولة وسلاسة.
كما يوضح المدير العام انه تم تخصيص مبالغ كبيرة لدعم الفلاح واسناده، فضلا عن الجهود المبذولة من قبل الشركة العامة لتجارة الحبوب، التي كرست جهودها من اجل تسهيل عملية الاستلام من الفلاح، ومن الجدير بالذكر ان الكلف المالية التي كانت تقع على عاتق الفلاح سابقا في عملية النقل وايصال المنتوج قد قلت بشكل ملحوظ، خصوصا أن المزارعين اصبحوا يأخذون مستحقاتهم المالية بشكل سريع جدا، وهذا كان حافزا اخر يضاف لانجاح عملية التسليم ومن ثم الخزن.
كما افصح المدير العام عن قرار لمجلس الوزراء مؤخرا، يدعم الفلاح الذي يستخدم التقانات الحديثة، ومنها المرشات اذ سيكون سعر شراء منتوجه في العام القادم اعلى من نظيره الذي يستخدم التقليدي، مما يعني ان هناك توجها لتقنين المياه والحفاظ عليها باعتبارها ثروة مهمة للانسان.
مساحات خضراء
في الاعوام المنصرمة عانت البلاد من ازمة جفاف وقلة امطار، وهذا دفع الكثير من الفلاحين الى هجرة اراضيهم ومساحاتهم الخضراء، ولكن اليوم وبفضل كميات الامطار المتساقطة، التي انعشت تلك المساحات عادت الحياة الى الحقول والمحاصيل الزراعية ، ولاسيما الحنطة.
ويجد معاون المدير العام لشؤون التسويق في الشركة زياد حسين أن عودة المساحات المزروعة تعود اولا الى الامطارالوفيرة، التي تساقطت مؤخرا وبالتالي عملت على تقديم الخدمة للفلاح، خصوصا في بادية الانبار وصلاح الدين و الموصل، التي تعتمد على الامطار مما ساعد على زيادة المساحات المزروعة، يضاف اليه الخدمات التي تقدم للفلاح من قبل الجهات ذات العلاقة.
مشيرا الى ان الحاجة السنوية من محصول الحنطة تصل الى اكثر من 4 ملايين طن، لتوزيع عشر حصص من مادة الطحين.
وفي ما يخص طرق واساليب التعامل مع الامطار التي تهطل في فترة الحصاد، يوضح المعاون ان هناك اجراءات تقوم بها الشركة العامة لحماية الحصاد من التلف، وهي تغطية المحصول والحفاظ عليه من كميات الامطار المتساقطة والتي من الملاحظ انها زادت في الاونة الاخيرة.
مستلزمات ضروريَّة
صرحت وزارة الزراعة في وقت سابق لـ (واع) ان الاستعدادات لموسم الحنطة، وتسلمها قد بدأت مبكرا من قبل الجهات ذات العلاقة وبالاخص وزارة التجارة، وتوقعت الزراعة ان يتجاوز انتاج المحصول 7ملايين طن تقريبا ومن مختلف محافظات البلاد، وأن قرار تسلم المحصول خارج الخطة الزراعية يستلزم تهيئة مخازن وصوامع ومستودعات.
ومن الجدير بالذكر أن هناك شروطا وآليات خاصة، يجب أن تتوفر في أماكن التخزين، اذ يشدد المختصون على ضرورة خلو تلك المناطق من الرطوبة، وأن تكون محكمة الاقفال للحفاظ عليها من الحشرات وغيرها من الظروف الخارجية.
التقانات الحديثة
نتيجة شح الامطار وأزمة المياه، التي اصبحت تهدد العالم بأكمله، اصبح من الضروري استخدام تقانات تحافظ على المياه وتقلل من عملية الهدر، ويلفت المدير العام الدكتور حيدر نوري الكرعاوي الى توزيع وزارة الزراعة 6000 مرشة تقريبا على الفلاحين وهي من التقنيات الحديثة، التي تقوم بسقي المحصول بطريقة نظامية ومرتبة مما يسهم بترشيد استهلاك المياه في السقي، والابتعاد عن الري بالسيح، الذي يعد من الاساليب التقليدية غير المفيدة.
وفي الوقت ذاته تعمل تلك التقانات على زيادة الغلة، والحصول على محصول جيد.
ومن الجدير بالذكر ان معظم دول العالم، توجهت اليوم الى احدث التقانات المستخدمة من اجل زيادة وتحسين المحاصيل الزراعية.
ولهذا تتجه البلاد اليوم الى ذات المسار، من أجل رفع انتاجية وكفاءة المحاصيل الزراعية.
الأمن الغذائي
من جهته بين الباحث الاقتصادي والاكاديمي الدكتور ستار البياتي انه لطالما كانت المنتجات الزراعية ذات علاقة وثيقة بالانسان وديمومة الحياة، ولهذا ارتبطت بشكل مباشر بالامن الغذائي والاقتصادي، واصبحت حاجة ملحة ومهمة ويومية، وعلى وجه الخصوص الحنطة التي تعد من المنتجات الزراعية التي تمتاز بها البلاد وتحقق الاكتفاء الذاتي في كل موسم تقريبا.
ويوضح البياتي أن هناك عددًا كبيرًا من الفلاحين قد هجروا اراضيهم في الاعوام المنصرمة، نتيجة شح الامطار وغياب الدعم للمنتوج الزراعي الوطني، فضلا عن فتح باب الاستيراد لدخول مختلف المنتجات، ويضاف الى ذلك ما واجهته الزراعة من تحديات حقيقية، في مختلف المفاصل.
اما اليوم وبفضل الدعم والتشجيع الحقيقي لمختلف المحاصيل الزراعية من قبل الجهات المختصة، من أجل الابتعاد عن الاقتصاد الريعي، الذي يعتمد على النفط فقط، علما ان هناك عوامل من شأنها أن تسهم بتطور الزراعة اكثر وازدهارها، ومنها تخلص البلاد من ازمة المياه نتيجة ابرام مجموعة من الاتفاقيات مع الجانب التركي مؤخرا، فضلا عن شراء المحاصيل الزراعية من الفلاح بأسعار تشجيعية تتجاوز الاسعار العالمية بنسب عالية.