كاليفورنيا: بي بي سي
في وقتٍ ما، بدا أنَّ شركة «تيسلا» لا يمكن أنْ ترتكبَ أي خطأ. فخلال ما يزيد قليلاً على عقدٍ من الزمن، تحوّلت الشركة من شركة تكنولوجيَّة ناشئة إلى شركة ضخمة لتصنيع السيارات، واستثمرت المليارات في أعمالها في مجال الطاقة النظيفة، وشهدت قيمتها السوقيَّة ارتفاعاً كبيراً.
لكنَّ الشركة تعاني الآن من تراجع مبيعات سياراتها، والمنافسة الشديدة من العلامات التجاريَّة الصينيَّة، فضلاً عن المشكلات التي تواجهها سيارة «سايبر تراك» التي حظيت بتغطية إعلاميَّة كبيرة. وقد أثر انخفاض المبيعات في إيرادات «تيسلا» وأضرّ بأرباحها. وانخفض سعر سهمها بأكثر من الربع منذ بداية العام الحالي. لقد خفضت الشركة أسعارها في الأسواق الرئيسة، وهي بصدد تسريح نحو 14 ألف موظف - أي 10 في المئة من قوتها العاملة على مستوى العالم. ومن بين المتأثرين كبار المسؤولين التنفيذيين وكامل الفريق المسؤول عن شبكة الشحن الفائق التي تحظى بإعجاب كبير.
عثرة في الطريق
فهل كل هذا مجرد عثرة في الطريق، أم أن شركة «تيسلا» فشلت على نحو غير متوقع؟
أوضح إيلون ماسك لجمهور تمت دعوته خصيصاً إلى مصنع «تيسلا» في كاليفورنيا في حزيران عام 2012 قائلاً: «الأمر يتعلق بكسر تعويذة». وأضاف: «لقد كان العالم يتوهم أنَّ السيارات الكهربائيَّة لا يمكن أنْ تكون بنفس جودة السيارات التي تعمل بالبنزين».
حديث ماسك جاء خلال حفل إطلاق سيارة «تيسلا» موديل «إس»، وهي سيارة أصرّ على أنها ستحطم هذا الوهم، ولم يكن وعده فارغاً.وفي ذلك الوقت، كانت السيارات الكهربائيَّة ولفترة طويلة توصم بأنها بطيئة وغير ملهمة وغير عمليَّة وذات مدى محدود للغاية. وعلى الرغم من أنَّ الطرازات الجديدة مثل «نيسان ليف» بدأت في اكتساب شعبيَّة كبيرة، إلا أنها لم تحقق تأثيراً كبيراً في السوق الأوسع نطاقاً.كان الموديل «إس» قوياً ويتمتع بأداء السيارات الرياضيَّة، إذ يمكنه قطع مسافة تصل إلى 265 ميلاً بالشحنة الواحدة. لم تكن السيارة رخيصة الثمن، حيث بدأ سعرها من 57 ألف دولار في الولايات المتحدة للنسخة الأقل أداءً، ولكنها بالتأكيد حققت نقلة ما.
ومنذ ذلك الحين، أطلقت «تيسلا» أربعة طرازات أخرى، بما في ذلك موديل X SUV، والموديل 3 “ذات الأسعار المعقولة”، والموديل Y وسيارة سايبر تراك.
مجموعة متزايدة من المنافسين
وتمتلك «تيسلا» الآن مصانع ضخمة لتصنيع السيارات في شنغهاي وبرلين، فضلاً عن منشأتها الأصليَّة في فريمونت بكاليفورنيا، وعدد من المواقع الأميركيَّة الأخرى.وفي العام الماضي، قامت الشركة بتسليم 1.8 مليون سيارة، الأمر الذي يشيرُ إلى أنها رسخت مكانتها بقوة كشركة مصنعة في السوق العالميَّة.
ولكنْ وفقاً للبروفيسور بيتر ويلز، مدير مركز أبحاث صناعة السيارات في جامعة كارديف، فإنَّ هذا جزء من المشكلة، يقول ويلز: «عندما ظهرت شركة «تيسلا» لأول مرة، كان لديها منتجٌ جديدٌ مثيرٌ، ورئيسٌ تنفيذيٌّ يتمتعُ بشخصيَّة كاريزميَّة، وكانت الشركة رائدة حقاً».أما الآن، فإن الشركة «لم تعد الرائدة الجديدة في مجال ريادة الأعمال والمُغيّرة للمفاهيم، بل أصبحت على نحو متزايد منافساً رئيسياً في الصناعة مع جميع التحديات التي تنطوي عليها عندما تواجه مجموعة متزايدة من المنافسين في نفس المساحة
السوقيَّة». يقول البروفيسور ويلز إنَّ شركات أخرى، مثل شركة «نيو» الصينيَّة، تقدم منتجاتٍ أكثر إثارة، كما تقدم شركة «بي واي دي» الصينيَّة أداءً جيداً بأسعار أقل، ويضيف ويلز: «في الأساس، لقد لحق العالم بشركة «تيسلا»».
لا شك أنَّ هناك منافسة أكبر بكثيرٍ مما كانت عليه في السابق. في أعقاب فضيحة التلاعب في بيانات انبعاثات الديزل التي اجتاحتها في العام 2015، بدأت شركة «فولكس فاغن» في ضخ الأموال في صناعة السيارات الكهربائيَّة. ومع بدء الحكومات في جميع أنحاء العالم النظر بجديَّة في فرض حظر نهائي على بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل، سرعان ما تبعتها الشركات المصنعة الأخرى. أصبح لدى العملاء الذين يبحثون عن سيارة كهربائيَّة ذات مدى وأداء جيدين الآن الكثير من الخيارات. ومنذ سنوات، رأى صانعو السياسات في الصين أن تطوير السيارات الكهربائيَّة فرصة للاستحواذ على حصة كبيرة من السوق العالميَّة، وشجعوا على تطويرها.
وكانت النتيجة هي النمو السريع لعلامات تجاريَّة مثل «بي واي دي»، التي تفوقت على «تيسلا» لتصبح أكبر مُصنِّع للسيارات الكهربائيَّة في العالم نهايَّة العام الماضي.
«القيادة الذاتيَّة الكاملة»
وفي الوقت نفسه، مع ازدياد رسوخ سوق السيارات الكهربائيَّة، تم كبح جماح الدعم في العديد من أنحاء العالم لمساعدة المستهلكين على شرائها. وقد يكون هذا أحد الأسباب التي أدت إلى تراجع النمو الهائل في مبيعات السيارات الكهربائيَّة في السنوات الأخيرة، واضطرار الشركات المصنعة نفسها إلى خفض أسعارها.منذ فترة طويلة جداً، وماسك يتحدث عن احتمال تحقيق الاستقلاليَّة الكاملة، ففي العام 2019، على سبيل المثال، وعد بأنه في غضون عام سيكون هناك مليون سيارة «تيسلا» على الطريق قادرة على العمل كسيارات ذاتيَّة القيادة (روبوتيَّة) .ولكن الواقع، حتى الآن، مختلف إلى حد ما، إذ لا تزال حزمة «القيادة الذاتيَّة الكاملة» من «تيسلا» أقل مما يوحي به عنوانها، فهي نظام يتطلب من السائق الانتباه في جميع الأوقات.والسعي لتحقيق نظام «القيادة الذاتيَّة الكاملة» يتناسب مع هويَّة «تيسلا» كشركة تكنولوجيَّة، وليس كشركة صناعة سيارات تقليديَّة، لكن منتقدي ماسك يعتقدون أنها مجرد ستار دخاني لصرف الانتباه عن المشكلات الأخرى.