ستايسي كيش
ترجمة: شيماء ميران
قد يُثارُ تساؤلٌ عن سبب ظلال الناس على الأرض والمباني في مدينتي هيروشيما وناكازاكي عقب قصفهما بالقنابل النوويَّة في نهاية الحرب العالميَّة الثانية.
يُثير المخرج البريطاني «كريستوفر نولان»، الحائز جائزة الأوسكار عن فيلمه (اوبنهايمر)، اهتمام الرأي العام مجدداً بالسباق عبر التاريخ لتطوير الأسلحة النوويَّة.
مع أنَّ الفيلم يروي بإسهابٍ عن اضطراب «اوبنهايمر»، (عالم الفيزياء الأميركي الملقب بأبو القنبلة الذرية)، وما أصابه من تأنيب الضمير والخوف من نشوب حرب نوويَّة في المستقبل وحسب وجهة نظره لن تظهر عواقب قصف هيروشيما وناكازاكي مباشرة، لكنَّ الأدلة المرعبة كانت واضحة للعيان في شوارع المدينتين المنكوبتين.
وعقب الانفجار الذري الذي حدث فوق اثنتين من أكبر المدن اليابانيَّة في السادس والتاسع من آب عام 1945 على التوالي، عثر على ظلالٍ سوداءٍ لأشخاصٍ وأشياءٍ مثل الدراجات متناثرة هنا وهناك على الأرصفة والمباني.
من الصعب أنْ نفهم أنَّ هذه الظلال قد تكون مجسدة للحظات الأخيرة من حياة كل شخص، وتشبه بذلك القوالب الرمادية لضحايا بركان بومبي القديم التي لا تزال محفوظة هناك.
لكنَّ السؤال من أين أتت هذه الظلال؟.
بحسب الدكتور «مايكل هارتشورن» الأمين الفخري للمتحف الوطني للعلوم النوويَّة والتاريخ في نيومكسيكو وأستاذ الأشعة في كلية الطب بجامعة المدينة ذاتها: «إنَّ أي قنبلة حين تنفجر ينتشر الضوء والحرارة الشديدان خارج نقطة الانفجار، وتقوم الأشياء والأشخاص الموجودة في طريقهما بحماية ما موجود خلفهم من خلال امتصاص الضوء والطاقة، أما الضوء المحيط بالأجسام فيقوم بتبييض الخرسانة أو الحجر
حول الظل».
الانشطار المدعوم
إنَّ الطاقة المكثفة المنبعثة أثناء الانفجار الذري تكون ناتجة عن الانشطار النووي.
ووفق مؤسسة التراث الذري ومقرها العاصمة واشنطن، فإنَّ الانشطار يحدث حين يصطدم نيوترون واحد بنواة ذرة ثقيلة، مثل نظائر اليورانيوم 235 أو البلوتونيوم 239، والنظير هو عنصرٌ له أعداد نيوترونات متفاوتة في تكوين نواته، عند الاصطدام تتكسر نواة العنصر ما يؤدي الى إطلاق كميَّة كبيرة من الطاقة، وتحدث سلسلة تفاعلات تستمرُّ حتى استنفاد جميع المواد الأصليَّة.
يقول «أليكس ويلرستين»، الأستاذ المساعد في دراسات العلوم والتكنولوجيا في معهد ستيفنز للتقنية بمدينة نيوجيرسي: «يحدث التفاعل المتسلسل بنمط نموٍ أُسي يستمر ملي ثانية أو نحو ذلك.
خلال هذه المدة الزمنية ينقسم التفاعل ما يقارب تريليون ذرة قبل أنْ يتوقف التفاعل».
لقد اُستخدم اليورانيوم (235) والبلوتونيوم (239) في الأسلحة الذرية المستخدمة في هجمات عام 1945، وأطلقت كمية هائلة من الحرارة وأشعة غاما ذات الموجات القصيرة جداً.
ووفق جامعة كولومبيا فإنَّ الطاقة تتدفقُ على شكل موجاتٍ ضوئيَّة مختلفة الأطوال، منها الطويلة كموجات الراديو والقصيرة مثل الأشعة السينيَّة وأشعة غاما.
وبين الموجات الطويلة والقصيرة توجد أطوالٌ موجيَّة مرئيَّة تحتوي على طاقة ملونة تُرى بالعين المجردة.
وعلى عكس طاقة الموجات الطويلة، فإنَّ أشعة غاما تدمر جسم الإنسان، إذ يمكنها المرور عبر الملابس والجلد ما يسبب التأين وفقدان الالكترونات التي تُضر بالأنسجة والحمض النووي.
يوضح موقع (Real Clear Science) أنَّ أشعة غاما المنبعثة من القنابل الذرية تنتقل كطاقة حرارية تصل الى عشرة آلاف فهرنهايت؛ أي (5538 درجة مئويَّة).
وما أنْ تصطدم بجسم كدراجة أو إنسان يتم امتصاص الطاقة ما يؤدي الى حماية الأشياء الموجودة في المسار وتبييض خارج الظل.
يُبين الدكتور “هارتشورن” إنَّه من المحتمل أنْ تكون هناك الكثير من الظلال في البداية لكنها دُمرت بسبب موجات الانفجار والحرارة اللاحقة.
ذكرى
كان السبب من استهداف اميركا لهاتين المدينتين لأهميتهما العسكريَّة وسلامتهما النسبيَّة من غارات القصف، فسيكون من السهل قياس الأضرار التي ستلحقها القنابل الذريَّة.
ومع مرور الوقت أثارت عواقب الإشعاع طويلة المدى تساؤلات كبيرة بشأن استخدامها.
وفُقدان الكثير من الظلال المحفورة في الحجر كان نتيجة العوامل الجويَّة والتآكل بفعل الرياح والمياه، وتمت إزالة العديد منها وحفظها في متحف هيروشيما للسلام لكي تتمكن الأجيال المقبلة من التفكير
بالأحداث.
يقول «ويلرستين»: أعتقد انه من المهم أنْ نأخذ عواقب استخدام الأسلحة النوويَّة بعين الاعتبار. فمن السهل جداً عدّها أداة لحكم الدولة وليست أسلحة دمار شامل.
والظلال البشرية هي تذكيرٌ قويٌّ بالعواقب البشريَّة لاستخدام الأسلحة النوويَّة».
عن موقع لايف ساينس