مهدي الشمري.. حُريَّة التكوينات والألوان

منصة 2024/05/21
...

  دلال جويد

"أنا ابن مرحلة شهدت الآمال والخيبات.. نكسة حزيران وتجربة الناصرية وانتكاستها، ثم الحروب العبثية والهزائم وسقوط الأقنعة والتنظير الافلاطوني الذي يبحث دوما عن مدن فاضلة يتركنا عند خرابها فيتبخر".. يقول مهدي الشمري في إشارة إلى كيفية صياغة ثقافة جيله الذي انتهى بين القتل أو الهروب نحو المجهول. ومع ذلك فهو يعتقد أنه جيل محكم وعنيد حفر في الصخر ثقافة وفنا وعلما وترك إرثا راسخا في الثقافة الحديثة.

لقد تعلم الشمري الرسم من الرواد الأوائل مثل "فائق حسن، وحافظ الدروبي، وصالح القرغولي" كما وأجاد الالتزام مثلما "السياب، وكاظم حيدر، وغائب طعمة، فرمان وجبرا، ابراهيم جبرا، والنواب"، موكدا أننا "جيل أصبنا بمرض اسمه العراق، ولم نشف منه ولا ندامة".
والشمري فنان الفكرة ومبدعها، يقتنصها من الحزن والفرح اليومي ويحولها إلى لوحة بأبعاد جمالية وإنسانية متماهية مع نسيج المواد وألالوان.
في كل جزء من اللوحة يمكن أن تولد القصيدة، فأعماله حصيلة تجربة طويلة وغنية دخل عالمها باحترافية منذ سبعينيات القرن الماضي، وشارك في العديد من النشاطات الفنية في بلدان مختلفة حتى استقر في لندن.
*يتحسس المشاهد سمة التسجيل والتوثيق سواء كان حدثاً أو مشاعر أو دواخل إنسانية، هل التوثيق والتاريخ بصمة تتركها في لوحاتك؟
 -لا أثق بالتاريخ لكني أسجل ما عايشته، الأحداث التي تمر بنا هائلة ومرعبة على مستوى الوطن والعالم من المستحيل ألا يكون تأثيرها ظاهرا في نتاجاتنا، وفي معرضي الجديد سجلت أحاسيسي وانطباعاتي بأشكال قد تبدو مباشرة، لكنها عميقة تنبع من موقف كما أنها وليدة الاحساس الأولي الغامر من دون انتظار لانفلات الأفكار أو سكونها.
* ما الذي تشكله المرأة في لوحاتك؟
-المرأة أما أن تكون زوجة وأختا وبنتا تعاني من الظلم، فالكل مكلوم في وطننا، إن لم يكن فقدا في الحروب أو السجون، فمن قسوة المجتمع والعادات العقيمة البالية. المرأة رغم كل ذلك هي التي صمدت وبنت وعلمت وجعلت الحياة تستمر بمعنى عميق.. المرأة قرينة الجمال والحب، "فلولا النساء فأننا لم نكن".
*تكاد تنقسم لوحاتك إلى مجموعتين، أولها زاخرة بالألوان، وأخرى يغلب عليها الأسود والأبيض، هل الاستخدامات اللونية هنا تمثل توظيفا يعنى بالموضوع أم انها تجارب؟
-لا ألتزم بخطة ثابتة في العمل، الموضوع هو المحرك الأول، ولا أميل للألوان خصوصا في الموضوعات الصارمة، باعتقادي أنها قد تضفي على الأعمال نوعا من الرياء، وكل فنان مجرب لكني لا أمارس التجارب التكنيكية على حساب الموضوع.. الموضوع ثم التكنيك.
غالبا ما أترك للصدف الحرية لتكون همزات وصل تربط بين التكوينات والألوان فتجعلها محكمة شكلا، ولتبرز الموضوع بشكل فني وتبعده عن المباشرة.
*بمن تأثر مهدي الشمري من مدارس وتيارات وفنانين؟
-لا أومن بالمدارس. والحقيقة فإن المدارس والتسميات قد أصبحت فعلا من الماضي. نحن نتأثر بكل شيء أمامنا، نتفاعل وتختزن التجارب، نتعلم من الآخرين ومن أنفسنا وعندما نبدأ بالعمل فأن كل ذلك يصبح متاحا وبدون وعي.
أنا لا أبحث عن الأسلوب لاعتقادي أن الطريقة التي يرسم بها الفنان هي نتاج لما اختزنه في داخله يتمظهر بشكل نطلق عليه الأسلوب الذي يمثل وسائله التي تعلمها ليوصل من خلالها الموضوع.
الأسلوب يشبه الكتابة التي هي الشكل الذي يوصلنا للفكرة.
*تكاد أن تكون فجوة ومسافة هائلة بين النتاج الفني في الداخل والخارج، هل هناك في ذهنك أفكار أو مشاريع من شأنها تقريب المسافة بينهما؟
-ولماذا نبحث عن التقريب؟ الفن لغة عالمية تقدم بأساليب مختلفة تتأثر بالبيئة التي يعيشها الفنان.
بالتأكيد أنا أرسم في مغتربي بشكل مختلف عما لو كنت أعيش في العراق. المهم أني لا أجبر نفسي على شيء ولا ألوي المعاني أو التكنيك حتى أبدو عراقيا مثلا. أنا إنسان قبل كل شيء اتفاعل مع الفن الياباني وأتمكن بسهولة من فهم الصنعة التي أوجدته وما وراءها من زخم ثقافي.
*معرضك السابق كان بعنوان "نساء ومدن"، والحالي "بيانات شخصية" ما الفرق بينهما، وكيف تحدد مسار معارضك وعناوينها؟
-فرق كبير، لكن ليس بالأفكار. أنا أسير باتجاه واحد وهو نابع من إيماني المطلق بالإنسان المقهور في عالم يسوده الجشع وتعسف القوة، أبحث عن العدالة، أنا أعد نفسي فنانا ملتزما فكريا، الاختلاف يكون في أسلوب توصيل الأفكار. إننا من جيل شهد أحداثا دراماتيكية قاهرة لا نستطيع أن نهرب من تأثيراتها، الاتجاه إلى الترف هو انهزام من المواجهة، العالم بعد الحرب أنتج فنا خاصا متأثرا بما حصل من مآسي. الابتعاد عن الواقع أما أن يكون ناتجا عن لا مبالاة أو عن
قلة وعي.