باكو: يارا محمود
زهرة «خاري بلبل» أو «شوكة البلبل» بالاذربيجانيَّة، ونبات الحاجب القوقازي هو الاسم العلمي لها، تتواجد بكثرة في مدينة شوشا الأذريَّة، وتشبه البلبل أو العندليب، ومن هنا جاء اسمها المركب، وإذا نظرت إلى الزهرة عن كثب، يمكنك بسهولة تمييز ثلاث بتلات منتشرة في ثلاثة اتجاهات مختلفة، اثنتان منهما مثل الأجنحة، والثالثة في المنتصف على شكل رأس طائر بمنقار، تتفرد عن باقي النباتات بأنها تموت إذا خرجت من مناطق وجودها لذلك تفشل كل محاولات استزراعها في أماكن أخرى، ويمكن العثور عليها في العديد من المناطق في اذربيجان وجورجيا وروسيا، كما أنها زهرة هشة للغاية ليس لها رائحة، لكنها مهيبة الشكل تحظى بقدرة تحمل الأجواء الجبليَّة الباردة، لدرجة أنها تكون أول زهرة تتفتح بحلول الربيع.
جذورها تشبه جذور نبات البطاطا، وعمر زهورها شهرٌ واحدٌ فقط، تنمو ساقها بطول يصل الى 70 سم، وفوق الساق تتدلى سبع أزهار لا تلبث أنْ تكمل تفتحها، حتى تبدأ في الذبول تدريجيًا كل يوم زهرة مثل طريقة نموها من الأسفل للأعلى، كما أنها تنمو في تلك المناطق الباردة شتاءً رغم أنها من فصيلة زهور الأوركيد الاستوائيَّة التي تتخذ أشكالاً مماثلة لحشرات مثل النحل والعناكب والبعوض وغيرها.
تتفرد بالأساطير
من بين أكثر من 400 نوعٍ مختلفٍ من الأزهار في جبال القوقاز الجنوبيَّة، تتفردُ زهرة «خاري بلبل» بالكثير من الأساطير، التي تتناقلها الأجيال الى يومنا هذا والتي ترمز في معانيها الى الحب والوفاء والخيانة في آنٍ واحدٍ، ومن بين تلك الأساطير:
أسطورة الحب النبيل
أكثر تلك الأساطير شيوعًا، تروى عن العندليب أو البلبل عندما وقع في حب زهرة عاديَّة ضمن مئات الأزهار في شوشا، وقصة حبهما كانت نبيلة، عرفتها الطيور والزهور والأشجار وتحاكت بها مثل عالم البشر تمامًا، كان البلبل مجنوناً بحب الزهرة وهي كذلك، وكان يغني لها ليلًا ونهارًا ويبوح بمشاعره، لكنْ سرعان ما انتشرت قصة حبهما العنيفة في الآفاق، فرح بها الكثير لكنَّ الشوكة أو «خاري»لم تستطع تحملها، فبدأت تدبر المكائد لقتل قصة الحب تلك.
بعد فترة بدأت الشوكة تعلن حبها للزهرة على أمل أنْ تخلقَ البعد والخصام بينهما، لكنَّ الزهرة النبيلة أبت وفضلت أنْ تكون وفيَّة لحبها مع البلبل وأنْ تظلَّ تحبه بجنون.
شعرت الشوكة بغضبٍ شديدٍ وبدأت تلتهم بتلات الزهرة الثلاث واحدة تلو الأخرى، سمع البلبل صرخاتها اليائسة، وأدرك أنَّ زهرته المحبوبة على وشك الموت، فأخذ يشدو أغنية حزينة شاركته فيها كل الزهور المجاورة.
وبينما كانت الزهرة المسكينة تتلاشى، صلوا جميعًا من أجل خلاصها، مستعدين للتضحية بأنفسهم من أجل هذا الحب العظيم، ولم تذهب نداءاتهم دون إجابة، فانطلق البلبل ليدفن نفسه في قلب محبوبته لكي تندمج الزهرة والشوكة والعندليب في زهرة واحدة، هي زهرة «خاري بلبل».
ولكي تضم ألوان الزهرة البيضاء والأصفر الذي يغطى رأس البلبل والوردي الفاتح الذي يغطي ريشه الكثيف، وذلك في تناغم كبير.
وأصبحت الأغنية الحزينة رمزًا للتضحية بالنفس من أجل المحبوب، وقداعتاد الناس هناك على عزفها وترديد مقطوعاتها، مع كل ربيع عندما تتفتح بتلات الزهرة الثلاث، كدليلٍ على السلام والمحبة والوفاء.
أسطورة ابنة الخان
ووفقًا للأساطير التاريخيَّة، يسرد الناس هناك أسطورة أخرى للزهرة، تتمحور حول ابنة الخان التي تزوجت من نجل الشاه الإيراني، وانتقلت للعيش معه، لكنها كانت حزينة لأنها تركت موطنها الأصلي الذي تربت وترعرعت فيه، ورغبة منه في التخفيف عنها حزنها، زرع من أجلها في حديقة القصر كل أزهار مدينة شوشا، لكنَّ زهرة «خاري بلبل» رفضت أنْ تنمو خارج موطنها، لتوصل أغنية تحمل اسم الزهرة تلك الأسطورة الى الأجيال وتعدُّ الأغنية من الفولكلور الشعبي المتوارث حتى الآن.
مهرجان خاري بلبل الدولي
أصدر الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف مرسومًا باعتبار مدينة شوشا عاصمة الثقافة في أذربيجان، وبعد أيام من القرار، أقيم بالمدينة مهرجان «خاري بلبل» الذي توقف لأكثر من ثلاثين سنة.
وكان المهرجان ينظم سنويًا بمشاركة عدة دول، إذ كانت تقام منافسات الفن والرسم والشعر والأدب، فضلًا عن سباقات الخيول، ومنافسات المصارعة، وكان المهرجان يحظى بمكانة دوليَّة ويعدُّ أحد أهم الأحداث
الثقافيَّة.
تتمُّ إقامة مهرجان خاري بلبل الدولي للموسيقى الشعبيَّة في شهر أيار تزامناً مع الفترة التي تتفتح فيهل زهرة «خاري بلبل»، وتقام النسخة السابعة من هذا المهرجان الدولي في مدينة شوشا، عاصمة الثقافة للعالم الإسلامي لعام 2024 بحضور موسيقيين وفرق رقصٍ من مختلف البلدان، بالإضافة إلى فرق محليَّة من مختلف مناطق
أذربيجان.