أحمد عبد الحسين
منذ أول خبر عن فقدان الاتصال بالطائرة الرئاسية الإيرانية تصدّرت التحليلات العالمية جملةٌ تكاد تكون مستنسخة لفرط تكرارها، ومؤداها: "إن غياب رئيسي وعبد اللهيان على فداحته لن يؤثر في السياسة الإيرانية". وعلل البعض ذلك بأنّ الفضاء المؤسساتي الذي يحكم إيران حتى منذ ما قبل الثورة الإسلامية ستكون له القدرة على تخطي الفاجعة، بينما عدّ آخرون أنّ السطوة التي يشكّلها شخص المرشد وموقعه ستتكفل باختزال مرحلة الصدمة إلى أيام معدودات لتعود إيران سريعاً إلى سابق عهدها.
أصحاب هذا الرأي محقون. إذ لا تنقصنا الشواهد على أن إيران اجتازات برازخ أكثر قسوة من حادثة تحطم الطائرة، ففي الثمانينيات فقدت إيران "ذات الثورة الفتية آنذاك" أكثر من نصف قيادتها في تفجير كبير سبقته وأعقبته سلسلة تفجيرات أطاحتْ بالحلقة الأقوى من القيادين والمسؤولين والفاعلين أمثال مطهري وباهنر ودستغيب وبهشتي، لكنها اجتازتْ ذلك واستعادتْ توازنها وكانت الحرب مستعرة.
قيّض لي أن أكون في إيران بعد وفاة السيد الخميني بشهور قلائل، كان الوجوم يخيّم على الشوارع والوجوه وثمة قلق يطوف في الأرجاء، لأن هيبة اسم الخميني وسطوة شخصه كانت تبسط ظلها على الجميع، وبفقده حسب كثيرون أن فترة انتقالية طويلة بانتظار إيران لاستعادة وعيها بعد الصدمة، لكني بعد فترة وجيزة تأكدت أنّ العمل المؤسساتي عاصمٌ للدول من الاستغراق الطويل في مآسيها الخاصة.
لا تترك المؤسسة شيئاً للصدفة والاعتباط. ولذا ففي لحظة إعلان نبأ مقتل الرئيس الإيراني ووزير خارجيته كان الجميع يتحدث عن النصوص الدستورية التي ستنظم عمل أجهزة الدولة التي تستعدّ لتشييع رئيسها.
قد يكون لخصال المسؤول الشخصية وإرثه المعرفي ومزاجه السياسي، دخل في تلوين عمله بألوان تخصه هو وحده، لكنّ هذه الخصوصية تظلّ تفصيلاً في مشهد أكبر هو الذي يحدد المسار العام للدولة. وهو ما سيحدث في إيران.
غير أنّ الانشغال بتمتين الجبهة الداخلية والتهيئة للانتخابات وأجواء الحِداد، ستضطرّ إيران إلى التطلّع إلى داخلها وصرف نظرها عن المشهد الخارجيّ حتى حين.
المشهد فاجع وحزين؟ نعم. لكنّ الدول التي تتمترس بالدستور والمؤسسة قادرة على تخطي الفواجع.