علي حسن الفواز
وسط أجواء الذكرى السابعة والخمسين لنكبة الخامس من حزيران عام 1967 تتداعى الأحداث، وتتضخّم الجريمة الصهيونية، فبقدر ما يتعرض التاريخ إلى نوعٍ من سياسة المحو والتغييب، فإنَّ ما يحدث في غزّة يكشف عن علاقة تلك النكبة بسلسلة الجرائم التي يواصل ارتكابها الكيان الصهيوني، وأحسب أنَّ الحديث عن “الهدنة المُحتملة” وسط استمرار جريمة العدوان في غزّة، ليس بعيداً عن هواجس الذكرى، ولا عن محاولات الرئيس الأميركي جو بايدن البحث عن حل لمأزقه الرئاسي، والدعوة إلى اتفاق يضمن “وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين” مع دعوات دولية تجد في هذا الاتفاق نوعاً “من الحل” أو “خارطة طريق ملموسة لإنهاء الأزمة” رغم أنه لم يتحدث عن تاريخ الاحتلال الصهيوني للأرض وللمقدسات بعد حزيران الأسود، ولا حتى عن المحنة الكارثية التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني، ولضحاياه من الشهداء وآلاف الجرحى، ولا عن التدمير الكامل للمدن والمستشفيات والمؤسسات..
الحديث عن “الاتفاق” يتزامن مع الأيام الحزيرانية، بوصفها جرح الأمة النازف إلى يومنا هذا، والمسؤولة عن صناعة الخيبة والخذلان وعقدة “العقل المهزوم” وبما يجعل ترابط الأحداث وكأنه محاولة للتطهير من تلك العقدة، والبحث عن حلول عاجلة أو طارئة للقضية التي يدرك العرب أنها قضيتهم التاريخية والأخلاقية والإنسانية، رغم كل محاولات التعويم العربي والإقليمي والدولي..
استمرار العدوان يعني استمرار المقاومة، واستمرار البحث عن حلول تحترم دم الشهداء، وتجعل من “القضية” مجالاً للحديث عن حلول واقعية وحقيقية لا تنتهي إلا بوضع حدٍّ للجرائم الصهيونية بحقّ الشعب الفلسطيني، والاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية، وتنفيذ كل القرارات الدولية، لاسيما قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق مجرمي الحرب الصهاينة، ووضع خطط عاجلة لإعادة تعمير مدينة غزّة التي تعرّضت إلى قصف همجي تجاوز ما حدث في هيروشيما
اليابانية..
دعوات الرئيس الأميركي لـ”ضمان التنفيذ الكامل للاتفاق” يقابلها تعنت صهيوني يدفع بحكومة “نتن ياهو” إلى فرضية البحث عن نصرٍ موهوم، وعن إجراءات تقوم على ملاحقة القادة الفلسطينيين، وهو ما يخالف المواثيق الدولية، وحتى الاتفاق الذي تريده الولايات المتحدة ناجعاً، وفرصة لإنهاء جريمة العصر التي يرتكبها الصهاينة بحق النساء والأطفال والشيوخ في غزّة ورفح وغيرها من المدن الفلسطينية..
ما يحدث على الأرض من معطيات يكشف عن هول الجريمة، التي تتواصل فصولها، مثلما يكشف عن إصرار الرأي العام الدولي على رفض هذه الجريمة، والذهاب إلى خيارات تجعل من الكيان الصهيوني “دوستوبيا” إكراهية، وغيتو للتطهير العرقي، ولصناعة أنموذج “الدولة السوداء” التي تهدّد قيم الحداثة والحضارة والتنوير والتعايش الإنساني بين الشعوب..