لسنا مستعدين للأسئلة الصعبة

آراء 2019/06/10
...

علي عبد الخالق
 
هل بات في حكم اليقين ان يحكم التجريب ما يوصف بانها “عملية سياسية” في هذه المرحلة؟ ربما كان ليصبح من السهل علي البدء بمقدمات مثبتة، تشبه الى حد كبير ما يعرضه الخطاب الرسمي الصادر عن غرف القرار في بغداد ومن الاجتماعات الحزبية والمؤتمرات الاعلامية لقادة الكتل المشكلة لمشهد اليوم، المتحول باستمرار في لعبة تبادل كراسي فقط، بعيدا عن اية تطبيقات على 
الارض.
ساد اعتقاد في تاريخ هذه البلاد انها عاشت فترة استقرار سياسي/ مجتمعي في وقت ما بين 1970 – 1975، حين كانت الغلبة فيه لعقول فضلت ارتداء ملابسها صباحاً والخروج لخدمة القطاع العام فقط، من دون النظر الى ما هي الاوضاع في حقيقة الامر من وجهة نظر احزاب وضباط دخلوا صراعاً على قيادة دفة الحكم والتحكم بآلة قتل دمرت وستدمر لاحقاً كل مكتسبات العراق في عصر ما بعد الاستعمار، وفي أوج تصاعد الحرب الباردة.
مجتمعياً، على مستوى القادة والنخبة صار الجميع في حكم العاجزين عن مواجهة الحقائق او مصارحة الجمهور بنتائج السياسة العامة، في سيناريو جديد لما كنا نغرق فيه آبان فترة ما سبق اجتياح داعش لثلث البلاد، ما زلنا محاطين بخطاب تسويقي لإنجازات أمنية واقتصادية، ويتأتى للمراقب مهما كان انحيازه او طول سيرته الذاتية وذوقه في اختيار دراما رمضان، ان الأهم لدى الحكومة هو الابقاء على تدفق الرواتب باعتبارها صمام أمان السلم المجتمعي، اذ لا أحد في المنطقة الخضراء يريد اغضاب قرابة خمسة ملايين عراقي يضافون الى ملايين اخرى مستاءة في الأصل. أما الإجابة بمسؤولية عن اسئلة تتعلق بمصير صنبور المال السائب المفتوح من دون سيطرة منذ العام 2003 عل سبيل المثال، فهي ليست الى الان في محل دراسة على
 الاقل.
وحتى آوان انتعاشة مرتجاة، نجلس نحن كصحفيين تحت غيمة تعتيم سوداء على مصادر المعلومات، يجتهد البعض في اختراق جدار حزبي يحيط بالملفات السرية في أقبية كل وزارة، يُحارب تيار علني في وجوده، سري في كمائنه ودساسه، بينما يعمل القسم الآخر تحت رحمة المال السياسي مختاراً او مجبراً.
كيف يمكن لحكومة لا يعارضها خصم، ولا يساندها صديق، ان تواجه وضعاً اقليمياً متغيراً يُلح على أقامة بيت محصن داخلياً، بنقصان وزيرين في طاولة اجتماعات رئيس الوزراء عادل عبد المهدي؟، ولماذا تصمت جبهة المثقفين عن التعليق السياسي الفاحص لأداء السلطات الثلاث بعد اكثر من مئتي يوم على الفترة البرلمانية الرابعة.
يُلقن السياسي العراقي جمهوره مبدأ زعامته وبرنامجه او لاشيء، مستنداً على أمل اكتساح خلال اي موسم اقتراع عام، رؤية ثبت خطؤها مراراً ضد طبيعة تكوين النظام السياسي الحالي الذي بني بدقة لمراعاة الاقتسام العرقي الطائفي للسلطة، الا اننا اليوم امام مفترق طرق يتجاهله الرأي العام، يغمض القضاء عينيه عنه، وتهرب الطبقة السياسية من مواجهته، إما التغيير او مواجهة شبح أقوى من القاعدة، وأكبر من داعش وأعمق تأسيساً من فصائل مسلحة، ولا يهم حينذاك مقدار من يساق الى منصات الاعدام من مدانين بالارهاب، فالاحساس بالغبن لايزال راسخاً في كثير من زوايا العراق، في وجود نظام ظلم يسمى تجملاً بنظام المحاصصة الطائفية 
والأثنية.
تخسر هذه البلاد – من بين خسائر جسيمة أخرى لن يمكن تعويضها- وقتاً وموارد في صراعات لا تدار بحكمة بحكم الانقسام السياسي المزمن الذي يحمل باستمرار مشاكله الداخلية في وقت تمنع فيه الاسئلة الصعبة علناً، ويحل بدلاً عنها التطمينات والتسويات، بلا معالجة.