سباقات الترشيح في معركة الرئاسة الإيرانيَّة

قضايا عربية ودولية 2024/06/09
...

 جواد علي كسار


إذا أردنا أن ننطلق في منهج التحليل السياسي، من أنموذج الشبيه في مقاربة انتخابات الرئاسة الإيرانية؛ فلنا أن نسأل: ما الأنموذج- المثال الذي ترجع إليه الانتخابات المرتقبة يوم 28 حزيران المقبل؟ ما حصل في 23 أيار 1997م (2 خرداد 1376ش)؟ أم في 14 حزيران 2013م (24 خرداد 1392ش)؟ أم هو إعادة تكرار لأنموذج رئاسيات 18 حزيران 2021م (28 خرداد 1400ش)؟، لكي يتعمّق مدلول هذه المقاربة القائمة على أساس منهج التشبيه في التحليل السياسي، نذكر سريعاً بأنَّ الأنموذج الأول أخذ إلى القمة محمد خاتمي رئيساً، والثاني صعد بحسن روحاني إلى رأس السلطة التنفيذية، فيما أوصل الثالث إبراهيم رئيسي إلى كرسي قصر باستور.

هكذا سيكون السؤال تحديداً: هل نحن أمام ظاهرة رئيس للجمهورية إصلاحي يشبه خاتمي، أم وسطي معتدل مثل روحاني، أم أصولي أميل إلى التشدّد كرئيسي؟ أو أنَّ للرئاسة الجديدة أنموذجها الخاص الذي لا يشبه هذه النماذج والمقاربات؟


خمسة أيام قلقة

من الطبيعي أن يلجأ البعض في الجواب إلى منهاجيات تحليل الخطاب، أو إلى الغايات المرجوّة للنظام وفي ما إذا كان يريد خوض المعركة على أساس مبدأ الربح المطلق لنفسه، وإلحاق الخسارة التامة ببقية الأطراف؟ أم أنه يتجه إلى شيء من المرونة وفتح الأبواب جزئياً، تحت مبدأ رابح رابح؟ في الأقل ليجبر خسائره في ثلاثة انتخابات متوالية (برلمان عام: 2020م، رئاسة عام 2021م، برلمانيات هذا العام بمرحلتيها) شهدت عزوفاً واضحاً عن المشاركة، وانحساراً كبيراً في التصويت حتى تدنّت في المرحلة الثانية من الانتخابات التشريعية الأخيرة (الجمعة: 31 أيار الماضي) إلى مستوى 8 % فقط في أكبر دائرة انتخابية، هي العاصمة طهران؟.

بديهي أنَّ منهج تحليل الخطاب مهم جداً بما يقدّمه لنا من فهم عميق لمجريات الأمر السياسي في إيران، خاصة مع قدراته الفائقة الخلاّقة على النفوذ من الظواهر إلى البواطن، والحركة من السطح إلى الأعماق، والانتقال من المعاليل إلى العلل، ومن المعلومات المتناثرة والأجزاء المشتّتة، إلى الأطر التحليلية الصلبة ومركبات التفسير النظري. لكن مع ذلك سندع مؤقتاً هذا المنهج جانباً، ونلجأ في هذا المقال إلى الأسلوب التوثيقي- المعلوماتي، لكي نستطيع مواكبة أكبر قدر من التحوّلات الكبيرة المتسارعة، وما يجري داخل إيران هذه الأيام من حوادث تتحرّك بوتائر متصاعدة.

أمضينا ومن يتابع الشأن الإيراني في الداخل والخارج خمسة أيام قلقة، هي المدّة التي خُصّصت لاستقبال ملفات المرشحين (30 أيار إلى 3 حزيران) كانت الحصيلة كما تمخّضت عنها إحصاءات اليوم الأخير (يوم الاثنين الماضي) هي (80) مرشحاً، ضمن خريطة تعكس في الأسماء والرموز قلقاً كبيراً في الحياة السياسية الإيرانية، وقد جاءت من خلال أكثرية المرشحين ونوعيتهم أقرب إلى البدائية والسذاجة من أي وقت مضى، تحكي المحصلة الصفرية أو شبه الصفرية، ويغيب عنها منطق المراكمة والبناء على التجارب السابقة، رغم أننا نتحدّث عن الدورة الرابعة عشرة في انتخابات الرئاسة الإيرانية.


بين الأخلاقي والسياسي

كما لا يمكن أبداً أن نغفل الحالة الاستعراضية الطفولية البائسة، التي رافقت أغلب المرشحين وهم في طريقهم إلى وزارة الداخلية أو عند تواجدهم في صالون التسجيل، وهم يلجؤون إلى وسائل مسرحية بالية أكل عليها الدهر وشرب، حتى كتبت صحيفة «جمهورى اسلامى» في افتتاحيتها الخميس الماضي: لسنا بحاجة إلى ممثلين بل إلى رئيس جمهورية!.

أضف إلى ذلك ما صاحب عملية التسجيل من غمزٍ ولمز غير أخلاقي، وتعيير ظاهر وخفي، واتهامات صبيانية، كما فعل ذلك مثلاً رئيس سابق للجمهورية هو محمود أحمدي نجاد، حين طعن تلميحاً بإيرانية رئيس سابق للبرلمان هو علي لاريجاني لمجرّد أنه مولود في النجف الأشرف، على خلفية مشكلات قديمة بينهما، فردّ أنصار الثاني بتحدّي أحمدي نجاد، أن يكشف عن تفاصيل جنسيته، في إشارة هذه المرّة إلى لقب عائلي مزرٍ كان يحمله نجاد سابقاً، قبل أن يستبدله باللقب الجديد، بل ثمّ من عاد مجدّداً إلى إثارة الأصل اليهودي الذي تنحدر منه عائلة الرئيس أحمدي نجاد، على حدّ زعم متهميه، ومنهم من ينسب التهمة إلى شخصية بارزة مثل محمد رضا داوري، وهو يحمل لقب مستشار إعلامي سابق للرئيس نجاد!.

هذا التدهور الأخلاقي والانحدار صوب الصبيانية الساذجة، والتوسّل بأدوات استعراضية مسرحية بدائية بالية لدى هذا البعض، هو ما أثار على الأغلب حفيظة المرشد الأعلى، ودفعه يوم الاثنين الماضي ضمن خطاب مطوّل في الذكرى الخامسة والثلاثين لوفاة السيد الخميني، لعرض الأخلاق بصفتها مرجعية قيمية غائية للنظام، وضرورة حضورها وارتقاء المرشحين إلى لوازم هذه الضرورة، وهو يقول نصاً: «ساحة الانتخابات هي ساحة للعزة والحماسة والتنافس من أجل الخدمة، وليست مضماراً للصراع من أجل الاستيلاء على السلطة. لذلك ينبغي لمن يلج مضمار المنافسة الانتخابية، أن يعدّ الالتزام بالأخلاق واجباً عليه». والأهمّ من ذلك، قوله للمرشحين حاثاً إياهم على الالتزام بسلطة الأخلاق ومرجعيتها: «الكلام البذيء، والاتهام، والتشهير والفضح (المتبادل) لا تساعد على تقدّم الأعمال، كما أنها تضرّ بالوجاهة الوطنية».


خريطة المرشحين

على أهمية الجانب الذي أكّده المرشد وأشار إليه الكثيرون داخل إيران نفسها، فإنه يبقى جانباً مرتبطاً بمن يرى أنَّ منظومة العمل السياسي، لها خصوصية في ممارسة الإسلاميين للسياسة، وفي القمة منهم تجربة الإسلام السياسي في إيران. ومع تقديرنا لمن يتحدّث بمثل هذه الرؤية، ولو على مستوى التمايز النظري والأخلاقي المفترض، وتالياً الخصوصية المفترضة للممارسة السياسية نفسها؛ فإنَّ ما يكشف عنه مطلق الأمر السياسي، هو خضوعه لدى الجميع إلى منطق واحد؛ منطق الغلبة، وتقديم المصلحة على كلّ اعتبار، واحتكار الحقيقة، وإلغاء المنافس والخصم بكلّ الوسائل بما في ذلك الضرب تحت الحزام، وغلبة المنطق الأحادي؛ منطق لا أريكم إلا ما أرى، إلى غير ذلك، ما يجعلنا نرجّح بل نقطع أنَّ للأمر السياسي كله؛ عملاً وفعلاً وقولاً، منطقاً واحداً هو منطق السياسة وحدها، شرقاً وغرباً كان هذا الأمر أو شمالاً وجنوباً، وعند الإسلاميين كما عند غيرهم، إلا ما خرج بدليل، وهو شاذّ ونادر وقليل.

لذلك فإنَّ ما يهمّنا من مشهد المرشحين هو دلالته السياسية، دون مفترضاته الأخلاقية والمعرفية والنظرية. وأول هذه الدلالات وأخطر ما يأتي في طليعتها، هو هذا الهجوم اللهف الكاسح على الترشيح، والعدد المتكاثر من المرشحين وقد بلغ الثمانين، حتى عابت واحدة من قنوات التلفزة الرسمية هذا التهالك الترشيحي وعرّضت بالمرشحين، قولهم: رشّحنا شعوراً منا بالتكليف! بينما يعرف الجميع أنَّ من سيخرج من نافذة (فلتر) الجهة المسؤولة عن أهلية المرشحين، أقصد لجنة أمناء الدستور (شوراى نگهبان) لن يتعدّى في العدد بضعة أنفار (بين: 3 إلى 9) قد يزيدون على ذلك بقليل.

دائرة التوقعات

تُشير أدنى التوقّعات إلى قبول ثمانية من المرشحين، هم: سعيد جليلي، علي رضا زاگاني، وعلي لاريجاني، محمد باقر قاليباف، محمد شريعتمداري، حسين قاضي زاده، صولت مرتضوي، داود منظور، بحسب التسريبات المقرّبة من مجلس أمناء الدستور، بينما لا يزيد أعلاها على اثني عشر مرشحاً، هم بالإضافة إلى السابقين: مهرداد پذرپاش، اسحاق جهانگيرى، مصطفى پور محمدي، علي نيكزاد، عبد الناصر همتي (بحذف داود منظور. يُنظر مثلاً: صحيفة وطن امروز، عنوان الصفحة الأولى، الخميس 6 حزيران) ما يعني ببساطة أنَّ المرشحين أو أكثرهم أقدموا على التسجيل، مع علمهم يقيناً برفضهم؛ فلماذا فعلوا ذلك؟.

تكشف هذه الهرولة السياسية عن أفق ملتبس للحياة السياسية، تشهد عليه المعرفة الإجمالية بعدد المرشحين المقبولين في التسجيل، إذ بلغوا (80) مرشحاً من بين (287) تقدّموا لذلك، ورُفضوا لعدم توافر الشروط الأولية، بحسب المادّة (115) من الدستور، والأهمّ من ذلك المواصفات الاثنا عشر التي حدّدها قانون انتخابات الرئاسة.

إجمالاً، أقبل على الترشيح وتسجيل اسمه لتسنّم الرئاسة (53) نائباً من نواب البرلمان الحالي أو السابقين، بمن في ذلك رئيسان للمجلس النيابي حالي وسابق هما قاليباف ولاريجاني؛ و(10) وزراء من مختلف الحكومات، و(3) وزراء فعليين؛ ورئيس جمهورية سابق هو أحمدي نجاد؛ ومعاون سابق لرئيس الجمهورية هو اسحاق جهانگيري؛ و(4) شخصيات عسكرية سابقة ربما كان الجنرال وحيد حقانيان أكثرهم إثارة للجدل؛ وعضو واحد من مجلس خبراء القيادة، بالإضافة إلى رئيس جامعة، هو محمد مقيمى رئيس جامعة طهران حالياً.

قد يُقال إنَّ عدد المرشحين في هذه الدورة أقلّ مما كان عليه في الرئاسيات السابقة. مثلاً بلغ عددهم في رئاسيات عام 2021م (592) مرشحاً، بينما كان عددهم في رئاسيات 2017م قد بلغ (1636) مرشحاً. هذا صحيح، بيدَ أنه لا يحلّ الإشكال بل يوسّعه، ويعمّق دلالاته السياسية أكثر.


الدلالات السياسية

أخطر الدلالات السياسية وأكثرها استقراراً في قلب هذه الحالة السلبية، هو غياب الحزبية الوطنية الفاعلة العابرة للمناطقية والشللية والموسمية، وضعف القاعدة الصلبة للخطوط والتيارات والأجنحة السياسية، ما يعني طغيان الهشاشة السياسية وكثرة التشكيلات الموسمية الطارئة، التي لا تلبث أن تنطفئ عند انتهاء المواسم الانتخابية والمهرجانات السياسية. ولستُ أدري كيف تجمع القوى السياسية في نظام الجمهورية الإسلامية، بين اعتماد مبدأ الانتخابات، وغياب الحزبية الوطنية المؤثرة؟.

من الدلالات السيئة التي تبعث على التنفّر في إيحاءاتها السلبية، هو تكرار الأسماء وهذه الرغبوية الذاتية والشعبوية العارمة، في لهاث الأسماء السابقة وسعيها المريع للتصدّر والعودة إلى المناصب مجدّداً. هذه سنّة رديئة بل سيئة بدأ بها هاشمي رفسنجاني (1934- 2017م) عندما أعاد ترشيح نفسه للبرلمان السادس شباط عام 2000م، وفشل في الصعود نائباً عن طهران، قبل أن يعود إلى آخر قائمة الثلاثين بقدرة قادر!.

حقيقة، لا نكاد نعرف خارج غواية السلطة، ما حاجة رفسنجاني لإعادة ترشيح نفسه نائباً في برلمان كان رئيساً له مدة (9) سنوات؟ وكان بعدها رئيساً للجمهورية لدورتين (8 سنوات)؟ ورئيساً لمجمع تشخيص مصلحة النظام، ومجلس خبراء القيادة، وسوى ذلك من المواقع والمناصب؟.

ولسنا نعلم أيضاً لِمَ أعاد نفسه مرشحاً للرئاسة عام 2005م، وقد شهد هزيمة ساحقة أمام أحمدي نجاد؟ ولماذا كرّر الخطأ نفسه بعد فشل ترشيحه للبرلمان، عندما عاد لتكرار ترشيح نفسه على نحوٍ أردأ في الانتخابات الرئاسية عام 2013م، حين رفض مجلس أمناء الدستور أهليته؟.

هكذا يقال بشأن الرئيس الأسبق أحمدي نجاد الذي رشّح مجدّداً لهذه الرئاسيات، رغم رفض أهليته في انتخابات الرئاسة السابقة عام 2021م. والحالة النقدية في رفض التكرار تتجه أيضاً إلى أمثلة سابقة، مثلما فعله محمد خاتمي عام 2009م قبل أن ينسحب لصالح زعيم «الحركة الخضراء» حسين موسوي، بل تنطبق على موسوي أيضاً في إعادة ترشيح نفسه، بعد تجربة متألقة في رئاسة الوزراء دامت (8) سنوات!.

كذلك لا نستثني أسماء مكرّرة تصرّ على عرض نفسها بفجاجة، والجمهور يصدّ عنها وقد رفضها بحسم وشفافية كما تشهد على ذلك أصواتها، كالذي حصل خاصةً مع الجنرال محسن رضائي، والجنرال قاليباف، وسعيد جليلي؟ لا ينبغي أن نسقط بفخ التفسيرات السهلة، ونقول بجدب الرجال، فإيران فيها مشكلات كثيرة لكن ليس إلى حدّ افتقادها المؤهلين في الرئاسة، بل يعود السبب العميق برأيي إلى الخلل الجذري الكبير في المركّب السياسي نفسه.

من مظاهر الخلل الأُخر في تداعيات هذه الحالة من ممارسة الأمر السياسي، هو كثرة مرشحي الحكومة، ما يكشف عن خلل آخر عميق في الحياة السياسية الإيرانية. 

لكن الأبعد أثراً منه في هذه الحالة السلبية، هو دلالتها على غياب البرامج والمدوّنات الواضحة للمرشحين، والتدافع بدلاً من ذلك في اللافتات الكلامية، والاستغراق بالشعارات والمقولات العامة، التي لا تعني شيئاً في عوالم السلطة التنفيذية، والأسوأ من ذلك هو السقوط في هوّة الحلولية السياسية، عبر اللجوء إلى رمزيات سياسية غائبة عن الساحة، والاحتماء بها، كمثل القول: «هذا رجائي الثاني» (نسبةً إلى: محمد علي رجائي) وذاك: «بهشتي الثاني» (نسبةً إلى: محمد حسيني بهشتي) وهذا على نهج رئيسي (إبراهيم رئيسي) وهكذا، من دون أن يكلف هؤلاء أنفسهم عناء تدوين البرامج، ونقل الجمهور الانتخابي من الرمزيات الشخصية والحلوليات السياسية، إلى البرامج والمدوّنات؛ وكم كان جميلاً ما كتبه أحدهم رداً على ظاهرة الحلولية السياسية هذه ورادتها، وهو يخاطبهم: كن أنتَ!.


ثلاثة خيارات

يمكن الحديث عن ثلاثة خيارات بارزة في تحديد الرئيس المرتقب، هي من الأدنى إلى الأعلى:

الأول: إذا سارت الهندسة السياسية صوب دائرة المتشدّدين والمتطرّفين أصولياً لكي يكملوا مسار قبض السلطة وتوحيد سنخيتها، فسيكون سعيد جليلي العضو الحقيقي الحالي في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وممثل المرشد في مجلس الأمن الوطني، صاحب الحظّ الأوفر في كرسي باستور. لكن نجاحه يتوقّف على حذف منافسين أقوياء له، في طليعتهم رئيسا المجلس النيابي السابق والحالي؛ لاريجاني وقاليباف، وحذف الأوّل غير مرجّح والثاني مستبعد الوقوع عملياً، وإن كان كلّ شيء جائزاً في السياسة.

أضف إلى ذلك ضعف التميّز الشخصي (الكارزما) ونخبوية جليلي، والمشكل الأخطر الذي لا حلّ له هو هشاشة قاعدته الشعبية، إذ هي لا تتجاوز اليوم (5 - 6) ملايين ناخب، باستصحاب حجم أصواته في ثلاثة انتخابات سابقة شارك فيها (رئاسيات: 2013، 2017، 2021م وقد انسحب من الأخيرة لصالح رئيسي). ولستُ أدري حقيقة ما هي الآليات السحرية التي يمكن أن تقلب القاعدة الشعبية لصالحه، لاسيّما مع صبغته المتطرّفة، وحسبانه على جبهة الثبات (پايدارى) المتشدّدة وضيّقة الشعبية.

الثاني: إذا سارت الهندسة السياسية ورغبة مختلف مراكز القوى الظاهرة والخفية العميقة، باتجاه مواصلة خطّ الرئيس الراحل فسيكون الأرجح بالفوز هو الجنرال محمد باقر قاليباف. تدلّ على ذلك موازين القوى لصالحه داخل الحرس الثوري، وفي تيار مهم من البرلمان، وعلى صعيد تيارات غير قليلة من الأصولية التقليدية، وهي تصنفه أصولياً لكنه أقرب إلى الاعتدال والوسطية.

أما ما يتحدّث به البعض من حكاية صعود عمدة طهران الحالي محمد رضا زاگاني، أو وزير النقل في الحكومة الحالية مهرداد پذرپاش، فهي احتمالات ضعيفة ومستبعدة حتى مع ما يُشاع من وجود خطّ في مكتب المرشد، مؤيد لهذين المرشحين. الثالث: إذا مرّ علي لاريجاني من نافذة مجلس أمناء الدستور، فمعنى ذلك ضمناً أنَّ الهندسة السياسية تتجه لاستعادة نسخة قريبة الشبه من نسخة ما بعد أحمدي نجاد، عندما قادت إلى صعود روحاني.

أجل، لاريجاني يعاني على مستوى القاعدة الشعبية لاسيّما مع ضخامة الماكينة الأصولية المتشدّدة ضدّه، لكن إنقاذه ونجدته بالأصوات الشعبية في مواجهة غريم قوي مثل قاليباف وحتى جليلي، تتوقّف على موقف الإصلاحيين وقدرتهم على التقاط هذه اللحظة، بدفع جمهورهم صوب لاريجاني كما فعلوا مع روحاني عام 2013م، لكنهم متردّدون حتى اللحظة، وتجربتهم سيئة مع روحاني. أخيراً، وعلى ذكر الإصلاحيين فإنَّ حظوظهم ضعيفة عبر مرشح مستقل؛ إصلاحي من داخل بنية الحركة الإصلاحية أو متبنى، كما هو حالهم مثلاً مع اسحاق جهانگيرى أو محمد شريعتمدارى أو مسعود پزشكيان وغيرهم، وما من سبيل أمامهم أفضل من دعم لاريجاني أو البقاء على دكة الانتظار لمدّة ثماني سنوات مقبلة، إلا إذا حصل متغيّر طارئ في الساحة يتوقعه كثيرون!.