الولايات المتحدة تحذِّر إسرائيل من مغبَّة الحرب مع حزب الله

قضايا عربية ودولية 2024/06/10
...

 بيتر بياومونت
 ترجمة: أنيس الصفار                                              

حذرت إدارة بايدن إسرائيل من أن توسيع دائرة صراعها مع جماعة حزب الله اللبنانية يمكن أن ينطوي على خطر جرِّ إيران إلى الخضم. يأتي هذا التحذير متزامناً مع إعلان المسؤولين الإسرائيليين في الأسبوع الماضي أنهم قد أكملوا استعداداتهم للقيام بعملية هناك إذا ما تطلب الأمر ذلك.


أورد تقرير على موقع “أكسيوس” الأخباري، استند إلى أقوال اثنين من كبار المسؤولين الأميركيين لم يذكر اسميهما، أن الإدارة الأميركية قد أبلغت إسرائيل بأنها لا ترى في شنِّ “حرب محدودة” على لبنان، أو “حرب إقليمية صغيرة” في المنطقة، خياراً واقعياً، لأن تلك الحرب سيصعب إنهاؤها علاوة على احتمال انفلاتها عن السيطرة.
جاء هذا التحذير في خضم تكهُّنات متصاعدة بأن إسرائيل ربما كانت بصدد دراسة فكرة تنفيذ عملية كبيرة ضد حزب الله في الأشهر المقبلة، حيث كانت واشنطن قد قامت بمحاولات مماثلة لثني إسرائيل عن مثل هذا التحرك في بداية الحرب
مع حماس قبل ثمانية أشهر.
خلال الأسبوع المنصرم تصاعدت التوترات بدرجة ملحوظة مع توجه عدد من كبار الشخصيات الإسرائيلية لزيارة مناطق شمال إسرائيل والتداول بشأن التحضيرات لحرب في لبنان عقب الصور التي انتشرت عن الحرائق الواسعة في المنطقة، وهي حرائق أطلقت شرارتها نيران حزب الله.
أشار قائد القوات المسلحة الإسرائيلية إلى اكتمال ما أسماه “التحضيرات”، وأضاف أن القرار بشنِّ هجوم ربما أمسى وشيكاً، كما حذَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” من احتمال انطلاق “حملة مشدّدة”.
من جهته زار وزير الأمن اليميني المتطرف “إتمار بن جفير” بلدة “كريات شمونه” الشمالية، التي أضحت شبه مهجورة، ليدعو من هناك إلى تدمير حزب الله.
هذه الموجة من الزيارات التي قامت بها شخصيات رفيعة المستوى إلى الشمال يمكن أن تكون أكثر من مجرد تبارٍ سياسي، حيث تم الإعلان في الأسبوع الماضي أن إسرائيل سوف تعمد من جديد إلى رفع الحد الأقصى لعدد المشمولين بخدمة الاحتياط الذين يمكن استدعاؤهم بمقدار
50 ألف فرد إضافي.
الأمر الواضح وسط كل هذه التكهنات هو أن الموقف على جبهة إسرائيل الشمالية آخذ بالتحول سريعاً إلى وضع إشكالي شائك، شأنه شأن غزة، حيث تجد القوات الإسرائيلية نفسها تغوص متعثرة في مستنقع موحل.
حين مضى القادة الإسرائيليون على طريق حرب غزّة كانوا عازمين على صياغة ضوابط ستراتيجية جديدة للسيطرة على القطاع، لكن طول أمد الصراع وإخفاقات الجيش الإسرائيلي المستمرة ضد حماس فرضا واقعهما الخاص على الأرض.
في مفارقة تاريخية كبرى أن إسرائيل، التي اجتهدت منذ ثمانينات القرن الماضي بشتى الوسائل والطرق من أجل إنشاء منطقة أمنية عازلة في جنوب لبنان، مستعينة بالحرب تارة وبالاحتلال تارة وبالدبلوماسية تارة، أفاقت اليوم على حقيقة خلاصتها أن حزب الله هو الذي أنشأ منطقة أمنية عازلة بصورة من الصور في شمال إسرائيل بعد ابتداء حرب غزة. فقد اضطر عشرات الآلاف من الإسرائيليين إلى النزوح من المناطق الشمالية، أما بموجب أوامر إخلاء في حالة المناطق الأقرب إلى الحدود، أو طوعاً في المناطق الأوسع.
ثمة 40 بالمئة ممن غادروا مناطقهم يتساءلون الآن عن صورة المستقبل في منطقة تلقى الاقتصاد فيها ضربات مؤلمة شديدة.
رغم أن معظم الانتقادات في إسرائيل، المتعلقة بطريقة تعاطي الحكومة مع الحرب الأوسع، بقيت تحوم حول قدرة هذه الحكومة على الوفاء بأهدافها المعلنة بشأن غزة، فإن الوضع في الشمال أصبح أكثر جلاء
والتفاصيل تزداد وضوحاً.
حاولت إسرائيل أن تدير الصراع على حدودها الشمالية باعتباره ظرفاً مرهوناً بالقتال الدائر في غزة، بيد أن تطاول أمد الصراع خلق ديناميكياته الخاصة به.
بقيت العقيدة الستراتيجية المعتمدة لدى إسرائيل طوال العقد الماضي تؤكد على تصورات الحرب القصيرة للغاية، المكثفة والحاسمة ضد حزب الله وحماس، لكن الصراع الحالي لم يكن رغم هذا قصيراً أو حاسماً.
أما حزب الله فإنه يعتبر الصراع ناجحاً حتى الآن، رغم ادعاءات الجيش الإسرائيلي بأنه تمكن من الحاق أضرار بهذه الحركة اللبنانية المسلحة.
لقد كانت خسائر حزب الله منخفضة نسبياً بالقياس إلى حجم التأثير الذي أوقعه على إسرائيل. ورغم اأن عشرات الآلاف من اللبنانيين قد اضطروا إلى النزوح من جانبهم من الحدود فإن التبعات السياسية
لذلك لم تكن متناظرة.
الشأن الآخر الذي لا يقل إثارة للقلق بالنسبة لإسرائيل هو أن حزب الله، الذي كان يعتبر منذ زمن طويل قوة عسكرية فعّالة ذات قدرة عالية على التكيُّف، قد تمكَّن من استغلال الحرب في غزة لإجراء الاختبارات
على قدراته وصقلها.
في العام 2006 استخدم الحزب صواريخه المضادة للدبابات استخداماً فعّالاً ضد المدرعات الإسرائيلية. وفي الصراع الحالي رفع حزب الله مستوى كفاءته في استخدام الطائرات المسيرة الصغيرة الانقضاضية، بما في ذلك واقعتان خلال الأسبوع الماضي، بطرق بدت قادرة على التفوُّق على الإجراءات الإسرائيلية المضادَّة المكثَّفة على الحدود.
يبدو أن هذا كله قد أدى إلى تنامي الإدراك لدى الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية الاإسرائيلية بأنهم حشروا أنفسهم في فخٍّ طويل الأمد.
مع عدم وجود صفقة شاملة على طريق التفاوض بشأن الحدود الشمالية، وهي صفقة قال حزب الله إنه منفتح عليها في المدى البعيد، فإن فشل اتفاق وقف إطلاق النار الذي تحقق بتفويض من الأمم المتحدة في 2006، الذي وضع في تصوره انسحاب حزب الله من المناطق الحدودية، سيكون معناه انتقال التهديد إلى الشمال عندما تتوقف الحرب في غزة.
خلال الأيام الأخيرة ركزت وسائل الإعلام الإسرائيلية، اليسارية واليمينة معاً، بشكل متزايد على احتمالات نشوب حرب مع حزب الله: كيف ستبدو هذه الحرب؟ وهل أصبحت الآن محتومة لا مفرَّ منها؟
كتب “يواف ليمور” في صحيفة “إسرائيل هايوم” اليمينية يوم الجمعة الماضي قائلاً: “التركيز على مسرح العمليات الجنوبي قد صرف الانتباه عن المسرح الأحرى بالقلق حقاً .. وهو لبنان”.
وفي صحيفة “هارتز” اليسارية استعرض محرر الأعمدة “آموس هاريل” استقراءات لا تقل قتامة حين حذر من أن إسرائيل المنهكة باتت اليوم على شفا فشل ذي أبعاد متعددة، بينما هي تغامر بتوسيع رقعة الصراع.
قال الكاتب: “من المرجح أن تجد إسرائيل نفسها منغمسة في حرب لا تحظى بالشرعية الدولية .. وبلا دعم أميركي ثابت، بجيش مستنزف مرهق يجاهد للحفاظ على إمدادات منتظمة من الذخائر وقطع الغيار”.
سواء كان هذا الحديث عن توسيع الحرب حقيقياً أم لم يكن – أم أنه ببساطة مجرد صرف للأذهان في خضم التهديدات التي أطلقها الوزير الإسرائيلي “بيني غانتز” بالانسحاب من ائتلاف الحرب الذي يقوده نتانياهو في نهاية الأسبوع، ومحادثات وقف إطلاق النار المستعصية لحد الآن بشأن غزة – فإن المخاطر في الشهر الثامن لذكرى هجوم حماس في 7 تشرين الأول سوف تستمر بالتصاعد.

* عن صحيفة الغارديان